«أهدانى حبا» لزينب عفيفى
أحيانا يقبل القارئ على شراء عمل أدبى مدفوعا بمحبة الكاتب أو موضوع الكتاب أو عنوانه أو ما سمعه عنه من الكاتب نفسه أو الآخرين، وربما يكون للعنوان دخلاً فى الشراء والاقتناء، ورغم ذلك تجد أحيانا أن ما قررت أن تقتنى الكتاب لأجله ليس موجودا على الإطلاق والموجود شيء آخر تماما، هذا ما وجدته فى رواية «أهدانى حبا» للكاتبة الصحفية زينب عفيفى والصادر عن الدار المصرية اللبنانية بمناسبة معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته 48.
والحكاية ببساطة أن العنوان وكلام الكاتبة زينب عفيفى أن الرواية يغلفها حكاية حب لطيفة قد هيأ العقل والقلب لموضوع رومانسى لطيف ولكن الحقيقة غير ذلك تماما، وإن كان هناك حب لمواقف وأيديولوجيات ورؤى من ثلاث شخصيات تمثل المحاور الأساسية للبطلة ليلى التى تبدأ فى سرد الرواية من خلال ما أسمته تحت عنوان (ص 5) «صدى صوت» وتخاطب أحمد قائلة: «عزيزى أحمد، اخترت الحكاية لأرويها لك، لكنك غافلتنى ومت...»، وتستمر الروائية فى سرد الرواية من خلال رسالة للشخصية المركزية للأحداث وهى شخصية أحمد زميلها فى كلية الإعلام الثائر دائما والذى يطالب بحقوق الطبقات الفقيرة والبسيطة وينتمى إلى مجموعة اليسار المصرى، ويتعرض أحمد للاضطهاد ويعانى من قيد الحريات والاعتقال والموت فى النهاية فى حادثة سير، وتشير الرواية أن النظام ليس مبرأ منها كما تلمح الرواية، والشخصية الثانية التى كانت على النقيض من شخصية أحمد هى شخصية سليم ابن عم ليلى الذى كان يحب الرئيس السادات ومقتنع به تماما وبمواقفه المختلفة فى الحرب والسلام ويقدر جدا انجازاته وقراراته، على عكس أحمد الذى يحب جدا الرئيس جمال عبد الناصر والتيار الناصرى واليسار المصرى بصفة عامة إضافة للمشاركة فى كثير من المظاهرات والاحتجاجات المستمرة فى الجامعة وفى الخارج، والغريب أن تلك الشخصية تقتل هى الأخرى بعد انضمامها دون أن تدرى- فى البداية أنها منضمة - لجماعة دينية تدعى نشر الإسلام فى أوروبا، والغريب أن الشخصيتين المتناقضتين أثرتا جدا فى ليلى وإن تفوقت شخصية أحمد نظرا لقرب السن والزمالة والقدرة الكبيرة على التأثير كزعامة سياسية للطلبة ولعدالة ما تطلبه لصالح الآخرين وليس لصالحها، وتظهر الشخصية الثالثة التى احترمتها وقدرتها وانجذبت لها وقد تكون أحبتها وهى شخصية عمر، زميلها فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكان يتابعها ويحبها دون أن تعرف ودون أن يلفت نظرها أثناء وجودهما فى الجامعة، وترتب الصدفة أن يلتقيا مرة ثانية فى باريس عندما كان فى استقبالها لما ذهبت لباريس لحضور مؤتمر عربى دولى حول أوضاع الدول العربية بعد الربيع العربى، فأحسن استقبالها جيدا وخرج معها فى عدد من الجولات فى باريس ودعاها على الغداء والعشاء فى عدد من المرات، ورغم أنه حاول أن يذكرها إلا أنه لم تتذكره لأنها طوال الوقت كانت مشغولة بأحمد الذى سيطر عليها وعلى كثير من أبناء الكلية دون أن تدرى، رغم أنه لم يكن ملتفتا لها، وكانت حوله عشرات المعجبات ومنهن من أقام معها علاقات كبيرة مثل شخصية نادين التى تعمل فى وكالة الأنباء الفرنسية، ويعرض عليها الزواج ولكنها لم توافق ولم ترفض وانتهت الرواية وظل الباب مفتوحا فى علاقته بها؛ فاحتمال أن توافق على الزواج منه واحتمال ترفض، وأرى أن شخصية عمر هى المعادل الموضوعى لشخصية ليلى، فكل شخصية منها أحبت شخصا ما ولم تجد أية أصداء طيبة تقابل هذا الحب وقد تشابهت ظروف الشخصيتين تماما، وأحسنت الكاتبة أن تركت النهاية مفتوحة ولم تغلقها تماما وأكدت ذلك (ص 58) قائلة: «.. الفرق الوحيد بينكما أن عمر اعترف بحبه ونيته فى الزواج منى.. أما أنا، فلم أجرؤ على البوح بحبك، الذى لم تلاحظه يوما،أو هكذا خيل لي».
وتتجسد جملة الرواية فى علاقة ليلى بأحمد وسليم وعمر حين تقرر ذلك فى الفصل الرابع قائلة: «أعيش حالة تحسد عليها أى امرأة؛ ثلاثة رجال فى قلبى، ولا أحد منكم له وجود حقيقى فى حياتى، يالى من امرأة تعيسة تصنع الوهم بمهارة ثم تكتشف أنها وحيدة.. أشعر بأن حبك وافتقادى لسليم بدأ يحتضران فى داخلى.. كان لابد من وجود عمر ليفك لغزكما» وتظل الكاتبة زينب عفيفى تسرد الرواية من خلال الخطاب الموجه من ليلى لأحمد، لدرجة أنك لا تستطيع أن تتصور فى أية لحظة أن أحمد قد مات ووجد ملقى على قارعة الطريق (ص71) كما أخبرتها صديقتها نهاد - المطعون فى حبها له رغم أنها تزوجت - أنهم وجدوا جثتك على طريق إسكندرية الزراعى.
وخلف تلك الشخصيات الثلاثة نجد الثورة تطل برأسها جلية واضحة فى عدد من الصور، الثورة التى بدأت من تلك الشخصيات مطالبة بحق الناس والمطالبة بأفكار وأيدلوجيات خاصة بها،و نجد لها دوائر تبدأ من ثورة يوليو وأحداث 17 و18 يناير و25 يناير و30 يونيه، كما أشارت الرواية إلى الثورة الفرنسية ونجاح الشبان الفرنسيين فى ثورتهم، فى الوقت الذى لم ينجح الشباب المصرى فى ثورته وركبها أصحاب المصالح والدولة العميقة والتيارات الدينية بأنواعها كافة، وأخذتنا تلك الفوضى وضياع العدالة الاجتماعية لتجرع كأس ومرارة الإرهاب الأسود الذى سيطر على سيناء بعد أن تجمع بها عدد لا بأس به من التكفيريين الذين تم صناعتهم ليكونوا خنجرا فى ظهر العرب عامة ومصر خاصة، بدلا من مواجهة إسرائيل وتحرير القدس وبناء الدولة الفلسطينية.
كانت بداية الإشارات لثورة 25 يناير (ص36) حين أكدت على مشهد المظاهرات فى القاهرة اعتراضا على الغلاء والجياع وانتهاكات الشرطة والتلميح فى الاستمرار فى الحكم وعدم الرغبة فى التغيير وفزعها على البلد وعليه واختلاط تلك الثورة بمظاهرات 17 و18 يناير 77، وتؤكد الكاتبة فى (ص 62) على المظاهرات المستمرة لطلبة 77 و25 يناير وأنها لم تصل بنا لشىء، وأنها صارت فى النهاية شعارات براقة وجوفاء وسرقت من الشباب كل الثورات، ولم تجد من يحنو عليها وعليكم وتعاود التأكيد من جديد (ص 72) قائلة: «.. أزيح مبارك، واستبشر الكثيرون، والممارسات لم تزل كما هى، ماذا يجرى فى البلد؟ ماذا يدور، تداخلت الرؤى وعم الضباب وتعالت الدهشة، هل مات الحلم بموتك يا أحمد؟ وتؤكد الكاتبة فى نهاية الرواية على حالة الضياع الذى يوجد عليها المجتمع رغم وجود الثورتين وأنها سوف تنشر روايته التى أخذتها من صديقته وحبيبة روحه نادين التى قابلتها فى باريس «بعد مائة عام من الثورة» التى تجسد الفترة التى أعقبت الثورتين، والتى تؤكد البطلة أن البلاد مازالت تعانى من أثارها وأن أحمد أحد ضحاياها وتؤكد أن الثورتين أسقطت نظامين سياسيين ولكن الأنظمة الاجتماعية والقضائية والقانونية والقضائية والقانونية قائمة وتحتاج لسنوات حتى تعتدل كفة العدل بين الناس.
واستطاعت الكاتبة زينب عفيفى أن تقدم روايتها عن طريق آلية روائية أراها وفقت فيها بدرجة كبيرة وهى السرد عن طريق رسالة مطولة إلى البطل المحورى فى الرواية لتكشف فيها كل الحقائق والتفاصيل ولتعلن كل الصغائر والنقائص التى سوف تؤدى لوأد الحلم إلا لم نفق ونحاول أن نصلح الأوضاع ونحقق العدل ونعدل الموازين المقلوبة التى تضع كثيرا من الفاسدين والجاهلين وأصحاب الغرض ومن فرحوا وهللوا ورحبوا بالوهم فى صدارة المشهد الآن ليقودوا قطاعات مهمة فى البلاد نحو التراجع.