الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الوسيط النزيه»!

«الوسيط النزيه»!






«القاهرة» وضعت حفظ الدماء السورية نصب أعينها ودفعت ثمنا باهظا من دماء أبنائها الذى لم تميزه عن الدم السورى

لم يكن اتفاق الهدنة الأخير لوقف الاقتتال السورى فى الغوطة ودمشق وريف حمص مصادفة أو وليد اللحظة، بل جاء كنتيجة لنضال مصرى نزيه منذ اندلاع القتال، مصر التى تحملت ما تعجز عن تحمله الجبال منذ ٢٠١١ لم تغب سوريا عن أعينها وقلبها لحظة، هذا القدر قررت مصر أن تواجهه بكامل شعورها بالمسئولية الوطنية والتاريخية والإنسانية، منذ اللحظة الأولى كانت مصر تدرك أبعاد الأزمة، كانت تدرك الهدف الخبيث مما يجرى فاتخذت من الشرف والنزاهة طريقا نحو دمشق.
إياك أن تعتقد أن النتائج الصحيحة يمكن إدراكها بالمقدمات الخاطئة، استراتيجية مصر تجاه سوريا كتبها رجال كانوا على قدر المسئولية المستمدة من إيمانهم بقيمة وعظمة وطنهم، الذين سطروا ميثاقا يعبر بوضوح عن موقف عروبى وقومى، يعبر بجلاء عن إدراك مصر لحجم مسئولياتها وحجم الآمال المعلقة على ثباتها وعودتها للمشهد، ولقد كانت مصر واضحة الاستراتيجية منذ الوهلة الأولى وأعلنت عن أهدافها بجلاء للخروج من الأزمة والتى تمثلت فى:
■ حقن الدماء السورية والقضاء تماما على التنظيمات الإرهابية.
■ الحفاظ على الجيش السورى الوطنى.
■ تقرير مصير سوريا حق للشعب السورى فقط.
■ وحدة الأراضى السورية.
■ إعادة إعمار سوريا.
مصر العظيمة لم يكن باستطاعتها أبدًا أن تُمارس سلوكا انتقاميا تجاه بشار الأسد، لم يكن بمقدورها أن تُمارس دورا لا يليق بمكانتها وتنسحب آثاره السلبية على الشعب السورى بأكمله، لم يكن لها إلا أن تحتضن أبناء الشعب السورى يعيشون على أرضها كمواطنين لهم ما للمصريين من حقوق أو عليهم من واجبات.
 ففى كل لحظة كانت حريصة على بناء مستقبل يقدم نموذجاً للتضامن والتآخى العربى، مصر التى أوت وناصرت ونصرت السوريين لا تنتظر جزاء ولا شكورا.
الموقف المصرى المسئول جاء بعد أن اقتنعت الأطراف السورية بمرور السنوات بنبل الهدف المصرى ونزاهة وساطته، فاستجابت للدعوة المصرية بعد أن تأكدت من ثبات هذا الموقف الذى تحملت مصر بسببه أثمانا إقليمية باهظة إلا أنها لم تتخل عن حقن الدماء السورية لحظة، لتثبت للجميع صحة موقفها منذ البداية، لتثبت للجميع أن مصر المكان والمكانة قدرها أن تكون أمينة على الدم العربى، قدرها أن تتحمل الإساءة وتردها بالإحسان.
لقد حددت مصر أهدافها منذ البداية وأصرت على تحقيقها، ولم يكن إصرارها بحثا عن مصلحة منفردة أو مكانة مصطنعة بل كعادتها تصرفت تصرفات الكبار فجاءتها المكانة الرفيعة سعيا، وجاءتها الأطراف مطمئنة لنزاهة الوسيط المترفع عن كل شىء إلا حقن الدم السورى وإنهاء المأساة، لم يغب عن المفاوض المصرى مشهد اللاجئين السوريين يلاطمون الأمواج، لم يغب مشهد جثة الطفل السورى ملقاة على أحد الشواطئ فأصرت على حق الشعب السورى فى الكرامة وفى الحياة.
الجميع راح يتحدث عن عودة مصر إلى المشهد ومصر وحدها كانت تسعى لعودة سوريا، المنطق المصرى القائم على منع سقوط الدولة السورية لا يمكن إنكاره إلا من سماسرة الشعوب وتجار الحروب، إصرار مصر على تماسك الجيش السورى هو استمرار للمد الثورى الوطنى المنطلق يوم ٣/٧، هو دليل يقينى على سمو الثورة المصرية وقوميتها وشموليتها، لم تكن أبدًا نزوة ثورية، بل عملية إنقاذ وطنية وقومية  شاملة من براثن التنظيم الدولى نابعة من إيمان مصر وإدراكها التام لأبعاد أمنها القومى، ونابعة من إصرار مصر على تحمل مسئوليتها فى المواجهة وفى الحماية.
الآن حصحص الحق فمصر التى لم تعرف يوما أن تفصل أمنها ومصالحها عن محيطها العربى ثبتت صحة رؤيتها واستراتيجيتها من خلال دبلوماسية هادئة لم تصطدم بأطراف الأزمة بل تدفقت حولها واحتوتها، دبلوماسية تعالت على شخصنة الأزمة ولم تستعل على أطرافها، مصر التى وضعت حفظ الدماء السورية نصب أعينها دفعت ثمنا باهظا من دماء ابنائها الذى لم تميزه عن الدم السورى، مصر المكان والمكانة لم تغب يوما عن دورها بل تعرضت لمحاولات ممنهجة للتغييب فلم تزدد إلا حضورا.
يا من لا تدركون قيمة هذا الوطن العظيم راجعوا أنفسكم، استوعبوا دروس التاريخ، لا تتركوا لأجيالكم القادمة ميراثا من الخداع والتجهيل بقيمة مصر فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.