الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الكاهن الكهين»!

«الكاهن الكهين»!






عشرون عاما قضاها عمرو موسى فى العمل العام وزيرًا للخارجية ثم أمينا عاما لجامعة الدول العربية، لم يبذل فيها مجهودا كما بذل فى ممارسة هوايته فى جمع رابطات العنق ومعرفة آخر صيحات الموضة فى طريقة ربطتها، عشرون عامًا قضاها ويبقى السؤال الحائر أمام عمرو موسى هو «نفسك تبقى إيه لما تكبر؟!» .
الشخص السوى تصقله التجارب تنضجه الخبرات.. تتشبع نفسه فتكون خطواته محسوبة ومؤثرة ، لاينبغى أبدًا أن يظهر بعد هذا العمر كهاو سيطرت عليه أهواؤه فلم يعد قادرًا على أن يرسم لنفسه ولتاريخه ملامح لحسن الخاتمة.

السيد عمرو موسى يبدو أن ذاكرته لم تعد بحالة جيدة، هو نفسه من ترأس لجنة صياغة الدستور وحدد وأعضاء اللجنة الطرق القانونية والدستورية لتغيير وتعديل أى من مواده، ثم راح يعانى فراغا فقرر أن يؤسس ما يسمى «جبهة حماية الدستور» بادعاء عدم جواز تعديله أو المساس به، كما لو كان نصا سماويا مقدسا لا عمل بشريًا تفصيليًا على حسب أهواء لجنة الخمسين!
أكاد أجزم بأن السبب الرئيسى لتدشين هذا الكيان هو حالة الفراغ التى يعانيها موسى، إلا أنه يبدو أن إدراكه لأصول العمل العام قد أصابه نوع من ألزهايمر السياسى فقرر أن ينقلب على ذاته دون أن يشعر.. وإليك التفصيلات التالية:
- ديباجة الدستور أقرت ثورتى يناير ويونيو اللتين كانتا سببًا فى إلغاء وتعطيل دساتير متعددة لم تعد مناسبة لمطالب وتطلعات الشعب، فإما أن عمرو لا يؤمن بقيمة الثورة، وإما أن الزهايمر قد تمكن منه بالفعل، وإما أنه منذ البداية كان يمارس عملا ترفيهيا أمام أضواء الكاميرات.
- الدستور اكتسب شرعيته من الشعب الذى وافق عليه فى استفتاء معلن، وللشعب نفسه الحق فى تعديله أو تغييره وقتما شاء، وليس من حق أحد أن يصادر على هذا الحق.
 السيد عمرو لم يحدد ممن سيحمى الدستور؟  وكيف سيحميه؟ وما صفته القانونية لممارسة فعل الحماية المزعوم.
حالة ألزهايمر السياسى يبدو أنها مصحوبة بحالة بارانويا مزمنة، فالسيد عمرو لم يعد بوسعه أن يتخيل أن هناك من يجرؤ أو يستحق تغيير شىء وضعه النجم  عمرو موسى.  
- وأخيرًا هل يستطيع عمرو موسى- بعد مرور ثلاثة أعوام على إقرار الدستور- ان يواجه الرأى العام ويقدم دراسة قانونية وافية حول مدى تلبية هذا الدستور لمطالب وطموحات الشعب؟ إذا كان يستطيع فليتقدم!
إذن السيد عمرو أمام ثلاث حالات لا رابع لها:
- إما أنه لا يتذكر نصوص الدستور المهموم بحمايته، وفى هذه الحالة لا نملك إلا أن ندعو له بالشفاء العاجل.
- وإما أنه سيقوم بهذه الدراسة فعلا ويقدمها للرأى العام بعد اكتشافه أن هذا الدستور لم يُلبِّ طموح الشعب، و هنا عليه أن يتبنى حملة للمطالبة بتعديله، لحماية الشعب أولا.
- وأخيرا يقدم دراسته بعدما توصل الى انه دستور ناجح فى تحقيق آمال الشعب بفضل تمكن الرئيس الحالى من استيعاب نصوصه وتمكنه من تحويلها إلى واقع عملى لخدمة الوطن والمواطن، وفى هذه الحالة عليه أن يقود حملة إعادة انتخاب الرئيس الذى احترم الدستور وحوله إلى منهج عمل.
عزيزى عمرو موسى فلنفترض جدلا ان الدستور بحاجة للحماية، فهل لك أن تطلعنا على الخطر المحيط بهذا الدستور، وما مصدره؟  هل لك أن تطلعنا على دور الشعب فى هذه الحماية؟ أين كنت عندما كتبت الوثيقة الدستورية الحاليّة التى نصت على طرق التعديل؟ وما موقفك من التعديل الدستورى الذى جرى أيام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك؟
.. يبدو أن السيد عمرو- وفى هذه المرحلة العمرية- قد تم توريطه بمعرفة النخبة المنظرة التنظيرية التى مازالت تعانى فراغًا فلا تجد أمامها إلا الدولة لتمارس عليها خبرات المقاهى التراكمية التى اكتسبتها على مدار عقود متتالية، ونصبوا أنفسهم كهنة لحماية الدستور ومن عمرو موسى كاهنًا أكبر!
اتخيل عمرو موسى حاليا منشغلًا تماما بكتابة مذكراته، فهل ستتضمن فصلًا عن نضاله الشفوى فى حماية الدستور؟  أتخيل سيناريست شابًا قد التقط تلك المذكرات لتحويلها إلى عمل درامى هل سيجد لها عنوانا أفضل من «الفاضى يعمل قاضي»؟ ام أنه سيفضل «وضاع العمر يا ولدى»، أم أن الطابع الكوميدى سيغلب عليه فيقدم لنا دراما بعنوان «البس الكستور واحمى الدستور»!

 لا أملك هنا غير النصيحة للسيد عمرو فلتقل خيرًا أو لتصمت، لكن القدر واقع لا محالة فعلى مدار عشرين عاما احطت نفسك بهالة وهمية غلفتها قدرتك على الاعتناء باختيار أزيائك ورابطة عنقك، إلا أن الزمن لم يترك أثره إلا فى خصلة بيضاء أضافت مظهرًا سينمائيًا طغى على المضمون الدبلوماسى والسياسى، فانشغل صاحب الخصلة عن المضمون بالمظهر، واستغرقته حالة النجومية التى ليس لها مجال فى كواليس الدولة، عزيزى عمرو دع الدولة لرجال الدولة واعتن بخصلتك، لا تظلم نفسك، دع الدستور للشعب فهو المعلم.. هكذا حفظناها عنكم!