الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«النحاس وعشماوى»

«النحاس وعشماوى»






 من 52 سنة، وتحديدا فى 23  أغسطس ١٩٦٥، رحل عن عالمنا مصطفى النحاس باشا، الرجل الذى تولى منصب رئيس وزراء مصر 7 مرات، كان آخرها بين عامى ١٩٥٠ و١٩٥٢ وكان من مؤسسى حزب الوفد وجاء زعيما له فى الفترة من ١٩٢٧ إلى ١٩٥٢، كما ساهم فى تأسيس جامعة الدول العربية.
وفى أغسطس 2017 كرر محافظ القليوبية اللواء محمود عشماوى، ما فعله النحاس باشا بعفوية شديدة وهو فى منصب رئيس الوزراء.
الحكاية قد تبدو غير مألوفة فى بلادنا، وتستحق فعلا التوقف أمامها، النحاس باشا ببدلته الرسمية وحرسه وصولجانه كرئيس وزراء لمصر يقف على محطة السكة الحديد ينتظر القطار الذى يقله إلى الإسكندرية.
قبلها كان قد وقع معاهدة 1936- الغاها فيما بعد -  والتى أطلق عليها «النحاس» اسم معاهدة الاستقلال والشرف، وتضمنت هذه المعاهدة شروطاً سبعة تحولت بموجبها العلاقة بين مصر وإنجلترا من علاقة أعداء إلى علاقة أصدقاء ومن احتلال إلى تحالف وتناصر على أمل الحصول على الاستقلال فيما بعد.
المعاهدة أدت إلى غليان الشارع ضد حزب الوفد حتى حاول بعضهم اغتيال مصطفى النحاس سنة 1937 ولكن المحاولة فشلت.
النحاس باشا يقف على محطة السكة الحديد وفجأة يأتى شاب، يسبه ويلعن جدوده ويبصق فى وجهه.
فماذا فعل النحاس باشا؟، لاحظ أن الرجل  رئيس وزراء مصر.
النحاس باشا وحرسه قبضوا على الرجل واصطحبوه إلى قسم شرطة الأزبكية، وجلس النحاس باشا يحرر محضرا للرجل.. انتهى من عمل المحضر وترك الرجل فى قسم الشرطة وانصرف مسرعا ليلحق بالقطار.
 لكن ما علاقة محمود عشماوى بمحضر النحاس فى قسم الأزيكية؟
محافظ القليوبية، اللواء محمود عشماوى، أعاد القصة بالكربون للحياة بعد 65 سنة من رحيل النحاس باشا.
محافظ القليوبية ذهب إلى القسم ليحرر محضر «سب وقذف»، ضد مواطن يدعى «محمد .ح».
المحضر  حمل رقم 5334 إدارى قسم أول شبرا الخيمة.
المحافظ اضطر إلى تحرير المحضر  بعدما تطاول المواطن عليه، ورفع صوته بشكل غير لائق بسبب عدم تنفيذ الحى لتأشيرة «كشك» حصل عليها.
المحافظ كان فى جولة  لتفقد عدد من المشروعات، وافتتاح عدد من المدارس بشبرا الخيمة، وفوجئ بعدد من المواطنين يقدمون له طلبات وبينهم المواطن المتهم، وبالحديث معه رفع صوته، وقال للمحافظ: «رجالتك مش عايزة تشتغل»، ثم تلفظ ببعض الألفاظ النابية؛ فطلب المحافظ الشرطة، وحرر محضر سب وقذف.
الحكاية على بساطتها الا أن لها دلائل شديدة على التحول الكبير فى فكرة المسئول والسلطة.
مواطن تطاول على المحافظ وقبلها بعشرات السنوات تطاول على رئيس وزراء مصر، والتصرف واحد محضر فى القسم، والكل أمام القانون سواسية.
الأمر البديهى جدا والبسيط جدا، لم يكن يحدث فى مصر، تصرف أحمق مثل ما فعله المواطن فى الدقهلية كان كفيلا بضياع كرامته طول العمر، كفيلا بضياعه هو نفسه.
لكن ما فعله اللواء عشماوى هو تكريس حقيقى لدولة القانون.