الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مسافة فى عقل السيسى «2 - 4» وزير الدفاع

مسافة فى عقل السيسى «2 - 4» وزير الدفاع






امتص الصدمة فى 2012 وبدأ الحركة المحسوبة نحو إنقاذ الوطن برصد الحقائق وتفنيدها

واجه التغييب المُتعمد لإرادة المصريين وكَرس فكرة حماية الشعب للوطن كاشفاً النخبة الوهمية منعدمة الفائدة

كسر حاجز الخوف من «الابتزاز الثورى» وفتح الطريق للجميع للتعبير عن رأيه وعينه على المتآمرين

قلص الفجوة بين ما يروج له الإعلام المُغرض وبين ما يراه المواطن على أرض الواقع وأعاد الثقة بعد حالة عبثية استهدفت الوطن

مثل العقل المدبر لتحقيق الإرادة الحرة المبنية على حقائق مجردة وأصر على تنفيذ دولة القانون والحفاظ على هيبة الجيش

 

مر عام ٢٠١١ بألف مما تعدون.. تحمل خلالها المجلس العسكرى ما لا تطيقه الجبال، لم يكن هذا العام العصيب قد انتهى إلا وكانت جماعة الإخوان وحلفاؤها من تيار الإسلام السياسى قد استولوا على مقاعد البرلمان تماما، وقتها بدأ أول خلاف معلن بين الجماعة وباقى القوى وانطلق الصراع بين ما سمى وقتها «الشرعية للبرلمان» وما سمى «الشرعية للميدان»!
إلا أن عام ٢٠١١ كان قد كشف عن حقائق حول تنظيم الإخوان.. يمكن إجمالها فيما يلى:
■ الإخوان ليست جماعة دينية بل جماعة تحترف استخدام الدين.
■ الجماعة تسيطر عليها نزعة استحواذية واستعلائية.
■ الجماعة لا تتورع عن ممارسة الخداع الممنهج وتبرير الكذب.
■ الجماعة مدعومة بقوة خارجية لتنفيذ مخطط إقليمى بات معلنا.
■ الجماعة لا تؤمن بالدولة المصرية أساسا.
■ جماعة الإخوان هى الحاضن التنظيمى والفكرى والتاريخى لجميع تيارات الإسلام السياسى وجماعات الإرهاب.
بحلول عام ٢٠١٢ كان المجلس العسكرى - وفى القلب منه عقله المفكر عبدالفتاح السيسى - قد تمكن بالفعل من امتصاص الصدمة، وبدأت الحركة المحسوبة نحو إنقاذ الوطن، ولما كانت الإرادة الشعبية وحدها هى التى تحكم تحركات المجلس فلم يكن هناك سبيل لحماية هذه الإرادة إلا كشف الحقائق حتى يمكن أن توصف هذه الإرادة بأنها حرة بالفعل، من هذا المنطلق ارتكزت حركة المجلس على قاعدته الجديدة «كشف الحقائق»، لتبدأ مرحلة جديدة تستند أيضا للإرادة الشعبية بعد إخضاعها لعملية إعادة التأهيل.
عملية إعادة تأهيل الإرادة الشعبية كانت بداية لما يمكن أن نسميه مرحلة «المبادرة النشطة» نحو إنقاذ الوطن، عملية إعادة التأهيل كانت تهدف لما يلى:
■ تنقية تلك الإرادة من شوائب التغييب المتعمد.
■ تكريس فكرة الوطن المصرى كهدف رئيسى تحميه هذه الارادة.
■ تحويل هذه الإرادة إلى جبهة وطنية ضد أى تدخل أجنبى.
■ وقف نزيف المزايدة الإعلامية، وتقليص الفجوة بين ما يروجه الإعلام المغرض وبين ما يراه المواطن صاحب الإرادة على أرض الواقع
■ كسر حاجز الخوف مما يمكن أن نسميه الابتزاز الثورى.. وتمكين أصحاب الإرادة من التعبير المعلن عن حقيقة معاناتهم خلال عام ٢٠١١ بأكمله.
العقل المدبر عبدالفتاح السيسى أدرك أن الإرادة الحرة لا يمكن أن تبنى إلا على الحقائق المجردة.
منذ اللحظة الأولى فى عام ٢٠١٢ والدولة تشهد زخما سياسيا كثيفا، ملابسات وتفاصيل الانتخابات الرئاسية تسيطر على المشهد تماما، التنظيم الإخوانى كشف عن وجهه الاستحواذى بوضوح، كما كشفت خلايا الحركات الناشطة عن انتمائها الحقيقى كأدوات يستخدمها التنظيم الإخوانى كيفما شاء، إلا أن أهم ما كشفت عنه هذه المرحلة هو جهل النخبة المزعومة بحقيقة جماعة الإخوان، باعتبارها ثغرة فى جسد الوطن وليست جزءا من نسيج الوطن كما روجتها تلك النخبة التى تورطت فى اقتياد المواطن المصرى قهراً وقسراً إلى براثن التنظيم، لقد كشفت التجربة عن نخبة وهمية ليست منعدمة الفائدة فقط بل منعدمة الخبرات العملية، فكانت فريسة سهلة لمكتب الإرشاد للتلاعب بها كما يشاء، بل إن التنظيم الإخوانى قد استخدمها استخداماً ممنهجاً لإضفاء الصفة المدنية على تحركاته التكتيكية فنجح فى تحويلها لما يمكن أن نسميه «وسيط التضليل».
مبكرا أدرك السيسى هذه الحقيقة المرة التى فرضت على المجلس العسكرى مسئولية فادحة أمكن للسيسى توصيف ملامحها الرئيسية المتمثلة فى:
■ التنظيم سيطر تماما على حركة الشارع تنظيما وتمويلا ودعما خارجيا.
■ غياب المرشح المدنى التوافقى من غير المحسوبين على النظام السابق.
■ محاولة ممنهجة لتوريط المجلس فى دعم مرشح بعينه.
■ التمهيد الاستباقى لوهم استهداف مرشح التيار الإسلامى.
■ حالة التربص المبكرة بالمجلس العسكرى، لفرض اتهامات مزعومة بتدخله فى العملية الانتخابية.
هذه الحالة ساهمت الجماعة فى تصنيعها وتخليقها لاستعادة جزء مما كانت قد فقدته من تحالفاتها القديمة خلال الصدام الذى سبق أن وصفناه بمعركة الشرعية للميدان أم للبرلمان.
الخطة الإخوانية ارتكزت على إعادة حالة التخويف من إعادة إنتاج النظام السابق، ولم تجد فى النخبة من يتصدى لها، ولما كانت آفة حارتنا النسيان فقد تمكنت الجماعة من إعادة تدوير أكاذيبها وخداعها.
السيسى المهموم بوطنه ليس أمامه إلا حماية الإرادة الشعبية التى تمكنت الجماعة من تشويهها وتلويثها بعدما ثبت أن آفة وطننا نخبته!
٢٠١٢ كان عام الحصاد الذى تنتظره جماعة الاخوان وتنظيمها الدولى، انطلقت خلاله العملية الانتخابية التى أسفرت نتائج جولتها الأولى عن إجراء الإعادة بين المرشح أحمد شفيق وهو محسوب تماما على نظام مبارك وقيادة عسكرية سابقة، ومنافسه محمد مرسى العياط وهو عضو مكتب الإرشاد، وخلال الفترة ما بين الجولتين الانتخابيتين الأولى والثانية برزت إلى المشهد أحداث لها مدلولاتها الواضحة التى أثبتت عمق رؤية الرجل ودقة قراءته للأحداث واستشراف المستقبل، وكان أبرز تلك الأحداث ما يلى:
■ استدعاء التنظيم الإخوانى لمدير المخابرات الحربية القطرية الذى حضر للقاهرة لوضع خطة انتخابات الإعادة وتمويلها، لقد تم اللقاء فى أحد المنازل المطلة على طريق صلاح سالم بالقرب من المطار، لكن السيسى رصد اللقاء ووجه حينها رسالة الدولة المصرية، ولم يكن هناك بد من ترك اللقاء يتم ولندع التاريخ يسجل.
■ التفاف رموز النخبة خلف المرشح الإخوانى فى لقاء فيرمونت الشهير.
■ توحد جميع جماعات الإرهاب خلف المرشح محمد مرسى.
■ انكشاف بعض الإعلاميين تماما.
■ الدعم الخارجى المعلن للمرشح الإخوانى.
هكذا رأى الرجل المشهد، لاحظ قدرته على التشخيص الدقيق للحالة والتأنى الشديد فى منهجية التعامل.
لقد اتسم أداء السيسى خلال تلك الفترة بما يلى:
■ الانضباط الشديد والثبات الانفعالى.
■ الالتزام بالإطار المؤسسى والتراتبية فى الأقدميات.
■ الحركة المحسوبة دون أى نسبة للمغامرة.
■ الالتزام بفكرة القانون
■ الالتزام بالإرادة الشعبية.
وفى يوم ٢٤ يونيو ٢٠١٢ كان أن أعلنت نتيجة الانتخابات بفوز المرشح الإخوانى محمد مرسى، هكذا فرض القدر على مصر.  
لقد بدأ الرئيس الإخوانى الفائز ممارسة مهام عمله بالقفز المتعمد على فكرة الدولة التى لا يؤمن بها أساسا، فرفض أداء اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية إلا أن المحكمة أجبرته على الالتزام بالقانون، ثم راح يناور طالبا عدم إذاعة مراسم حلف اليمين إلا أن الدولة فرضت نفسها وأذاعت الحدث، ثم راح الرئيس الإخوانى يمارس ما يمكن أن نصفه بالابتذال الممنهج لفكرة الدولة ولوقار المنصب الرئاسى الرفيع فأعاد حلف اليمين فى ميدان التحرير أمام أنصاره، ومرة ثالثة فى جامعة القاهرة!
ثم واصل إهداره لفكرة الدولة فأصدر قرارا ليس له أى منطق قانونى بعودة مجلس الشعب المنحل بقرار المحكمة الدستورية العليا إلا أن المحكمة العليا ومحكمة النقض أعادتاه بقوة القانون إلى قواعد الدولة.
فى ظل هذه الحالة العبثية لم يكن أمام السيسى إلا أن يترك الإرادة الشعبية تخوض تجربتها العملية كاملة تحت ميكروسكوب الوطن، إلا أن الرجل لم يُحد لحظة عن فكرة دولة القانون، طبيعته العسكرية والوطنية تفرض عليه الانضباط والالتزام المؤسسى، بينما الرئيس تفرض عليه طبيعته الإخوانية إهدار فكرة القانون والوطن التزاما بالتكليف الإخواني، ما الذى يمكن أن يحدث أمام هذه المفارقة؟!
ما الذى يمكن أن يفعل الرجل أمام اختيار الإرادة الشعبية؟ ما الذى يمكن أن يفعله فى إطار القانون؟
الشعوب تتعلم بالملاحظة والمشاهدة أو بالقراءة ومطالعة خبرات وسير السابقين، لكن الإرادة المصرية اختارت أن تتعلم بالألم، ما الذى يمكن يفعله السيسى؟
استمر محمد مرسى فى عبثه فأصدر قرارا بعزل النائب العام، وتصدت له المحكمة الدستورية، وفى الوقت الذى ثبت فيه أن الدولة المصرية هى بحق دولة المؤسسات التاريخية راح محمد مرسى يواصل استنزاف هيبة المنصب الرئاسى.
لاحظ كيف كان السيسى يمارس الصبر؟ لاحظ كيف كان الهدف هو تكريس مفهومى الدولة والقانون فى الذهنية العامة لأصحاب الارادة التى أتت برئيس أثبتت تصرفاته أن استمراره فى منصبه واستمرار تنظيمه لن تكونا إلا على أنقاض دولة القانون.
وبحلول يوم ١٢ أغسطس ٢٠١٢ أصدر محمد مرسى قراره بإعفاء وزير الدفاع المشير طنطاوى من منصبه ليحلف عبدالفتاح السيسى اليمين على صيانة الدولة واحترام الدستور والقانون.
فى هذا اليوم كان السيسى قد تولى المنصب الرفيع الذى يتيح له الظهور المعلن.            
منذ تولى عبدالفتاح السيسى منصب وزير الدفاع بدأ يظهر مرتديا زيه العسكرى وسط قواته، الرجل يدرك مراحل الحركة المتاحة فى إطار القانون فقرر أن يكون أداؤه مهام منصبه إضافة لفكرة القانون التى لم يكن منشغلاً بغيرها فى هذا التوقيت، لقد بدأ مرحلته الجديدة مدركا تماما لما يجب عمله فوراً فتمكن فى زمن قياسى من تحقيق ما يلى:
■ سحب قوات الجيش من الشارع سريعا لإعادة مستوى انضباطها الذى ربما يكون قد تأثر من طول فترة مخالطة المدنيين.
■ إعادة البناء الفورى للصورة الذهنية للجيش المصرى التى تأثرت بالسلب بفعل الحملات المتعمدة التى كانت تهدف لإقصاء المجلس العسكرى عن المشهد.
■ إعادة بناء العلاقة بين قوات الجيش والشرطة التى كانت قد تأثرت سلبا بفعل مكايدة إخوانية صبيانية متعمدة.
ثم أصر بعد ذلك على تغيير الزِّى العسكرى لجميع أفرع القوات المسلحة المصرية، كان الهدف هو استغلال الشكل لخدمة المضمون، الزِّى الجديد يعبر عن مفهوم جديد لقوات عصرية، الزِّى الجديد لم يتم تعميمه إلا بعد أن تأكد الرجل من أن الصورة الذهنية الجديدة قد وصلت إلى وجدان أصحاب الارادة.
السيسى المنهمك فى أداء مهام منصبه كان قد أوشك على الانتهاء من إعادة الترميم وأعمال رفع الكفاءة لقاعدة ارتكاز الدولة المتمثلة فى قواتها المسلحة، إلا أن الرئيس المنتخب لم يمهل المصريين فرصة التقاط الأنفاس فأصدر إعلانه الذى وصف بالدستورى وقتها والذى لم يكن إلا إعلانا إخوانيا رسميا لإلغاء فكرة الدولة بعدما قرر التنظيم تنفيذ سقف مخططه باستخدام أسلوب الصدمة.
وبرغم حالة الفزع التى أحدثها ذلك الإعلان إلا أنه كان بداية الحركة الشعبية الفعلية بعد أن قرر هذا التنظيم استهلاك جميع رصيد استعلائه وغبائه دفعة واحدة.
لقد أصبحت الآن الارادة الشعبية المصدومة أمام خيارين لا ثالث لهما إما دولة القانون والمؤسسات، وإما حالة اللادولة والميليشيات.
آلام التجربة تتصاعد والصرخات والنداءات للجيش المصرى تتعالى فى مواجهتها، والسيسى يصر على فكرة القانون.            
مردود الإعلان الصادر كانت آثاره كاشفة تماما، فبعد أن بدأ الشارع فى التحرك والعودة إلى النزول كان رد الفعل الإخوانى مباشرا، فقد عبرت الجماعة عن تنظيم لا يؤمن ليس فقط بفكرة الدولة وإنما لا يفهمها أساسا ولا يمكن أن يخضع تحت مظلتها.
وبعد أن أحاطت الجماهير بقصر الاتحادية جاء رد الفعل الإخوانى ليكشف ما يلى:
■ الرئيس المنتخب يدار تماما من خلال تنظيمه ولا يملك من أمر منصبه شيئا لقد تنازل الرئيس عن شرعيته الممنوحة له بالارادة الشعبية إلى مكتب الإرشاد.
■ الرئيس المنتخب يثق فى تنظيمه أكثر من ثقته فى مؤسسات الدولة.
■ الرئيس المنتخب لديه ميليشيات يستخدمها ضد ناخبيه.
■ التنظيم الإخوانى لن يسمح بأى معارضة
■ التنظيم الإخوانى لا يعرف إلا القمع
لقد كان شهر ديسمبر ٢٠١٢ شهرا حاسما، السيسى المصر على دولة القانون يتابع عن كثب تفاصيل المشهد الذى أصبح أكثر تعقيداً بعدما تحولت الحالة المصرية من مرحلة الصراع القانونى بين الشرعية واللاشرعية إلى مرحلة الصراع الوجودى بين الدولة واللا دولة.
وقتها وجه الجيش المصرى أول دعوة لعموم المصريين للحوار تحت مظلة مؤسسة الرئاسة، إلا أن الرئيس المنتخب كان التزامه التنظيمى يفوق التزامه الوطني، الرئيس الذى ظل بعد ذلك يستخدم مفهوم الشرعية هو أساسا يتحدث عن شىء لم يعد موجوداً أساسا بعد أن قرر العودة إلى موقعه التنظيمى فى الجماعة فور إعلان نتيجة الانتخابات.