الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مسافة فى عقل السيسى «3 - 5» البطل الشعبى

مسافة فى عقل السيسى «3 - 5» البطل الشعبى






رفض التآمر على الإرادة الشعبية معتزاً بعسكريته وحرص على التواجد المستمر بين قواته

قائد جديد يُدير من أرض الواقع كل همه رفع كفاءة الجيش وإعادته لثكناته ممارساً عقيدته التى نشأ عليها

تصدى لمحاولات اختراق ثوابت القوات المسلحة مرسخاً لمبدأ الجيش مِلك الشعب وحده

طمأن أصحاب الإرادة ولم يعتمد على جبهة سلمت مصر وشعبها لتنظيم إرهابى دولى كاد يُسقط الوطن

نجح فى لملمة شتات الأغلبية الصامتة وأعادهم للمشهد ونزع من قلوبهم الخوف بصلابة ودون تردد

أعاد الهتاف الذى جرى تغييبه عمداً.. الجيش والشعب أيد واحدة.. وأكد أن جنوده وضباطه يستمدون قوتهم من شرفهم

 

كان عام ٢٠١٢ هو عام الظهور الإعلامى لوزير الدفاع عبدالفتاح السيسى، طبيعة المنصب تتيح له نوعا من الحركة الحرة، الرجل الذى ظهر مرتديا زيه العسكرى المعبر عن انضباط شديد مصحوبا بملامح غارقين فى مصريتها، كانت الأم المصرية أول من  التقطت رسائله، رصيد أمومتها منحها قدرة فائقة على الرصد والاستشراف ومخزون خوفها على بلدها كما تخاف على ولدها تحول إلى طاقة مهولة ملأت أرجاء البلاد، بغريزة أمومتها أدركت أنها ووطنها على موعد مع الفارس المنتظر.
السيسى المعتز بعسكريته يأبى عليه كبرياؤه أن  يكون متآمرا، لقد حرص فى هذا التوقيت على الانغماس فى التواجد المستمر وسط قواته وظهرت صوره مرات عديدة يشاركهم الطوابير والتدريبات، الصور وقتها حملت رسائل عديدة أهمها:
■ القائد الجديد يدير من أرض الواقع.
■ الجيش المصرى عاد إلى ثكناته بالفعل.
■ الجيش المصرى منهمك فى رفع كفاءته ولياقته.
■ الجيش يحترم الإرادة الشعبية ولا وقت لديه للانشغال بالسياسة عن مهمته الأساسية.
■ الجيش المصرى هو جيش الدولة المصرية ولايمكن لأى أيديولوجية أن تخترقه.
لقد كان السيسى يطمئن أصحاب الإرادة أن قاعدة ارتكازهم بخير.                        
فى هذا التوقيت كان أن ظهرت جبهة الإنقاذ التى ضمت رموزا هم بالأساس أحد أهم عناصر تسليم الدولة المصرية والشعب المصرى للتنظيم الدولى، تلك الرموز وجدت فى جبهة الإنقاذ فرصة جديدة لممارسة هواية الظهور الإعلامى، لكن أصحاب الإرادة الحقيقية انصرفوا مبكرا عن تلك الجبهة وسبقوها إلى الشارع بل إن الذكاء الفطرى لتلك الإرادة دفعهم إلى التهكم عليها إلى درجة وصلت إلى حد وصفها «بجبهة إنقاذ الإخوان»!
الإرادة الصلبة هذه المرة كانت تدرك ماتريد لأول مرة منذ خروجها يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، هذا الإدراك لم يتكون إلا بالمعرفة التراكمية التى لم تكن لتنشأ أساسا إلا بعدما أدرك السيسى مبكرا أن السبيل الوحيد لتحويلها من إرادة مفعول بها إلى إرادة فاعلة هو كشف الحقائق وهو الطريق الذى قرر السيسى أن ينتهجه مبكرا متحملا آلامه ومخاطره.
الإرادة الشعبية هذه المرة امتلكت  معطيات جديدة تمثلت فى:
■ انكشاف حقيقى للنخبة.
■ صدمة الوقوع فى براثن تنظيم عصابى دولى.
■ تجربة حقيقية تتزايد آلامها يوما بعد يوم.
■ انضمام الأغلبية الصامتة لصدارة المشهد.
■ شرطة أعيد تأهيلها بشكل مكنها من العودة لجمهورها بأريحية.
■ رئيس انقلب على شرعية نفسه.
■ أداء رئاسى وحكومى هزلى.
هكذا كانت الإرادة قد نضجت بعدما اكتوت بمرارة التجربة، والسؤال الملح من الذى سيحمى الإرادة من ميليشيات التنظيم الإرهابى؟!                        
مساء ٢٨ إبريل عام ٢٠١٣ أطل السيسى إطلالته المباشرة الأولى على الشعب المصرى صاحب الإرادة الحقيقية، كان ذلك خلال الاحتفال بذكرى تحرير سيناء، وعقب انتهاء الأوبريت الغنائى وقف الرجل متحدثا للمرة الأولى عندما أكد أن الجيش المصرى يستمد قوته من شرفه بينما كانت الابتسامة الهادئة تكسو وجهه، كلماته استقبلها الحاضرون بتصفيق مصحوب بعودة الهتاف الذى تم تغييبه عمدا «الجيش والشعب إيد واحدة».
الرجل وجه رسائله الواضحة يمكن إجمالها فيما يلى :
■  المصريون غيروا الدنيا عندما أرادوا التغيير.
■ كل مصرى فى بيته عليه أن يطمئن رغم مايحيط به من أحداث وصفها السيسى مستخدما مصطلح «الشوشرة الموجودة»
■ الجيش يناضل حتى لايتسبب فى إيذاء أى مصرى.
■ مصر محفوظة بالمصريين.  
■ يجب الحفاظ على الأمل.
الكلمة المحملة بالرسائل شديدة الوضوح نقلتها جميع القنوات، أى أنها أصبحت متاحة فورا للجميع حتى أعضاء التنظيم الإخوانى ومكتب إرشادهم، أى أن تحليل مضمون ماكان يقصده الرجل كان متاحا للجميع ، يفهمه من يشاء كما يشاء.
 لقد كانت كلمة الرجل بمثابة الطرق برفق على قلوب وعقول المصريين ، الرجل كان يريد أن يعرف بأى قدر نجحت خطته فى إعادة مكانة الجيش داخل وجدان المصريين، فتلقى الرد الفورى «الجيش والشعب إيد واحدة».                        
وفِى صباح ١١ مايو من نفس العام عاود الرجل الظهور المباشر مرة ثانية فى تفتيش حرب القوات المسلحة بدهشور وسط جمع أكبر هذه المرة، حرص من وجه الدعوة له على أن يمثل الحاضرون جميع أطياف المجتمع، وقتها بدأ السيسى كلمته موجها حديثه للحاضرين بما نصه: «أنتم معنا لتكونوا شهداء على ماوصلت إليه قواتكم المسلحة من استعداد قتالى عالى المستوى كقوة رادعة لمن تسول له نفسه المساس بأمن الوطن واستقرار شعبه»
ثم واصل كلمته المركزة التى حملت الرسائل التالية:
■ الجيش نار لايمكن اللعب معه أو به.
■ ليس هناك شرف يعلو شرف الدفاع عن الوطن والشعب.
■ نعم أنا أتذلل للشعب المصرى ولا أتجبر عليه  والتجبر لايكون إلا للأعداء والمجرمين.
■ لابد من وجود صيغة للتفاهم بينكم.
■  الجيش لو نزل الشارع خلاص.
■ لماذا لانقف فى طوابير الانتخابات لعشرات الساعات من أجل التغيير؟
 كلمة السيسى هذه المرة أحدثت جدلا واسعا فى العقول والأنفس ، ليطرح السؤال نفسه ما الذى يقصده الرجل؟
 إلا أن الظهور هذه المرة كان أكثر وضوحا وتعبيرا عن رغبته فى إعادة تواصل الجمهور مع جيشه، الرجل يتحسس خطاه نحو الوطن والقلوب قد بلغت الحناجر ، لكن ماذا يمكن أن يفعل الرجل الملتزم بدولة القانون والمؤسسات؟                       
الأحداث تتوالى والرجل يثبت منهجية ومؤسسية فى الحركة والتفكير، الرجل يثبت قدرة على الحركة الرشيقة فى المساحات الحساسة، قدرة على الاستخدام الأمثل للإمكانيات المحدودة، فى هذا التوقيت كان أن ظهرت حركة «تمرد» التى انتشرت استماراتها كالنار فى الهشيم، لكن الحركة لم تنشئ الإرادة الشعبية بل وضعتها فى إطار تنظيمى معلن، كما عبرت عن اتساع وتضخم قاعدة الإرادة الشعبية فى مواجهة التهديدات التى بات التنظيم الإرهابى يمارسها علنا تحت سمع وبصر الرئيس الذى يدعى شرعية لم تعد ترتكز على أى سند قانونى، يدعى شرعية لممارسة أعمال غير شرعية.
كانت الدعوة الصريحة لاختبار الإرادة الشعبية عمليا قد أطلقت، الميعاد ٣٠ يونيو ٢٠١٢، لكن قبيل الموعد المحدد كان أن التقى السيسى بضباطه وجنوده فى إحدى الندوات التثقيفية تحديدا يوم ٢٣ يونيو، وخلال الندوة وقف الرجل ببذلته العسكرية مسترسلا فى قراءة كلمته المكتوبة بعناية التى تضمنت رسائل محددة وشديدة الوضوح يمكن إجمالها فيما يلى:
■ إرادة الشعب المصرى وحده هى التى تحكمنا.
■ يخطئ من يعتقد أنه يمكن اختراق العلاقة بين الشعب المصرى وجيشه.
■ يخطئ من يعتقد أنه يمكن مواجهة إرادة الشعب المصرى بالقوة.
■ الجيش مسئول عن حماية الإرادة الشعبية ورعايتها.
■ أدبيات الجيش المصرى تجاه شعبه لن تتغير.
■ الجيش مسئول مسئولية كاملة عن حماية الإرادة الشعبية.
ثم توقف عن قراءة النص المكتوب ووجه نظره إلى الحاضرين متحدثا العامية «خلينى أقولكم أى مروءة اللى نعيش بيها كضباط وضباط صف فى الجيش لما نشعر أن الشعب المصرى خائف ومروع، لا احنا نروح نموت أحسن».
فى هذه اللحظة يبدو أن الرجل كان قد اتخذ القرار بحمل روحه على كفه فداء لوطنه الجريح.                        
كان الرجل قد منح الجميع مهلة لمدة أسبوع للتوافق على إنقاذ الوطن، إلا أن المنتحل صفة الرئيس عنوة محمد مرسى قطع الطريق على هذه المهلة عندما تحدث للجمهور محاطا بأنصاره مساء ٢٦ يونيو وراح يذكر أسماء شخصيات بعينها  باعتبارهم متورطين فى إدارة الانقلاب على شرعيته فى حالة هزل وإسفاف وابتذال لم يسبق لأى رئيس مصرى أن ظهر بها، لكن حركة «تمرد» بادرت بالرد عليه فى مؤتمرها الصحفى مساء ٢٩ يونيو عندما أعلنت عن تمكنها من جمع مايزيد على ٢٢ مليون استمارة لعزل فاقد الشرعية محمد مرسى.
وبانقضاء يوم ٢٩ كانت مصر قاطبة تحبس أنفاسها فى انتظار اليوم الموعود الذى أشرقت شمسه تحمل ضوءا ودفئا زاد حرارة المشهد التهابا، ولم يحل عصر هذا اليوم إلا وكانت الملايين والجموع الغفيرة قد ملأت كل ميادين الوطن المصرى محاطة بحماية قوات شرطتها وجيشها لتعبر بوضوح تام وإدراك كامل عما تريد رافعة شعار «يسقط يسقط حكم المرشد» يعقبه هتاف «ارحل»، التوقيعات أعلى الاستمارات تحولت لثورة شعبية لإنقاذ وطن على شفا الانهيار.
انقضى يوم من أعظم الأيام فى عُمر هذا الوطن تخيل خرجت هذه الملايين دون سقوط ضحية واحدة دون مصاب واحد دون حادثة تخريب واحدة بل دون أى احتكاك بين المتظاهرين والشرطة التى ذابت فى صفوف الجماهير الثائرة.
فى هذه اللحظة انطلق صوت الانضباط مانحا الجميع مهلة جديدة لمدة ٤٨ ساعة، لكن محمد مرسى عاود الظهور ليقضى على الأمل الأخير متمسكا بشرعية لم يعد لها وجود خارج عتبات مكتب الإرشاد ، لقد خرج العياط مساء ٢ يوليو تسيطر عليه حالة من الهذيان والغيبوبة التنظيمية، حينها أدرك المصريون أن هذا الرجل لم يعد له وجود أساسا.
انتهت المهلة الثانية مساء ٣ يوليو ٢٠١٣ والمصريون جميعا فى انتظار الحدث الذى سيحدد مصير الوطن، لكن من ذلك الرجل القادر على مواجهة العالم إنقاذا لوطنه؟
الرجل الذى كان على موعد إلهى مع قدره وقف شامخا مساء هذا اليوم مستعرضا فى إيجاز خريطة آلام وطن على مدار عام بأكمله، ومن خريطة الآلام إلى خريطة الآمال انتقل الرجل معلنا دون تردد خطوات إنقاذ وطنه.
مساء ٣ يوليو أعلن المصريون عن ميلاد فارس وبطل شعبى جديد تأكدت بطولته عندما استجاب المصريون لدعوته إلى النزول ثانية إلى الميادين يوم ٢٦ يوليو لمنحه تفويض الإرادة الشعبية.