الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مسافة فى عقل السيسى «4 - 5» مرشح الإرادة المصرية

مسافة فى عقل السيسى «4 - 5» مرشح الإرادة المصرية






التزم بقيمتى سيادة القانون والإرادة الشعبية وعاد بقواته لثكناتهم بعد تولى «منصور» الرئاسة

انهمك فى التفكير بمستقبل وطنه وانشغل بهمومه بعدما ارتفع سقف آمال الشعب فى الجيش وقائده

بعد نجاح ثورة الدولة المصرية أصبحت مصر حديث العالم كله، على صفحات الجرائد وعلى  الشاشات وفِى أروقة السياسة السرية والمعلنة، وحدها وقفت مصر شامخة وسط إقليمها الملتهب، وحدها تقف مصر وسط أطلال دول لم تتحمل حجم المؤامرة، وحدها تقف مصر ولسان حالها يقول: «عصية أنا على الانكسار».
تجلت ثمرة الثورة المتفردة عندما تولى المستشار الجليل عدلى منصور منصب الرئيس المؤقت لحين إجراء الانتخابات الرئاسية وفقا لخارطة الطريق المعلنة، الرجل تصدى للمنصب كاشفا عن معدن وطنى عميق مصحوبا بوقار الهيئة القضائية، وفى هذا التوقيت تحملت مصر ضغوطا خارجية وداخلية مهولة أثبتت التجربة أنها كلما زادت قابلها المصريون وجيشهم بمزيد من الصمود.
فِى نفس الوقت عاد عبدالفتاح السيسى بقواته إلى ثكناتهم، عودة الرجل كانت تأكيدا لالتزامه بقيمتى سيادة القانون والإرادة الشعبية، العودة كانت التزاما من السيسى بمناط التكليف الشعبى الصادر له كوزير للدفاع المصرى.
يبدو أن الرجل فى هذا التوقيت كان منهمكا فى التفكير فى مستقبل وطنه، كان مشغولا ومهموما بوطنه بعدما ارتفع سقف الآمال فى الجيش المصرى وقائده.            
وزير الدفاع المصرى زادت أعباؤه وهمومه  بعدما جدد المصريون ثقتهم فى جيشهم الذى أصبح مصدرا رئيسيا لاطمئنانهم، وسط كل هذا الزخم كان السيسى قادرًا على كبح جماح النجومية بعدما تحول إلى بطل شعبى، لم يستدرج مرة واحدة خارج التزامه القانونى بحدود وظيفته ومنصبه، الرجل بداخله مخزون أخلاقى ورصيد من نشأة أسرية كان لها أثر ملحوظ على أنماط سلوكه الظاهر، قدرة الرجل على أن يصبح مصدرا للطمأنينة امتدت إلى محيطنا الإقليمى وأحدثت تأثيرا مدويا فى الخليج ، وبرغم ذلك حرص على أن يتراجع سياسيا إلى الخلف بضع خطوات احتراما للرئيس الموجود والذى كان لقبوله المنصب دور رئيسى فى فرض الإرادة المصرية.
فى هذا التوقيت عادت الانتخابات الرئاسية السيطرة على المشهد وكان ذلك طبيعيا لأن خارطة الطريق المتوافق عليها أقرت برئيس مؤقت لحين إجراء انتخابات مبكرة.
الأصوات حينها تعالت  بالهتاف «انزل ياسيسى» لتعبر عن حالة غير مسبوقة فى العلاقة بين الناخب صاحب الإرادة ومرشحه الذى يكاد يكون أول مرشح مصرى لمنصب الرئاسة نفذ برنامجه الوطنى لإنقاذ الدولة قبل أن يتولى أويفكر فى المنصب الرئاسى.                        
عادت النخبة إلى الظهور مرة أخرى لتشارك الجماهير مطلبها فى ترشح المشير عبدالفتاح السيسى للمنصب الرئاسى، استخدموا وقتها مصطلح  «مرشح الضرورة»، لكنهم لم يشرحوا ماهية هذه الضرورة ربما عن جهل، والأقرب أنهم تعمدوا استخدام المصطلح دون الخوض فى تفاصيله التى ربما كانت ستقودهم لمايلى:
■ الاعتراف بتورطهم فى تسليم الحالة الثورية الناشئة فى يناير للتنظيم الإخوانى وتحويلها إلى فوضى.
■ الاعتذار العلنى لسابقة استدراجهم للهتاف المقيت المطالَب بإسقاط الحالة الوهمية التى سُميت «بحكم العسكر»
■ الاعتراف بعجز النخبة عن تقديم مرشح يمكن وصفه بأنه مدنى وفِى نفس الوقت يصلح  للتصدى للمنصب الرفيع.
■ الاعتراف بعدم القدرة على تحمل مسئولية وطن بحجم مصر.
وعلى الرغم من تصاعد الزخم  المطالَب  بترشح الرجل بضغوط من الحركات الشعبية على شاكلة «كمل مشوارك» و«كمل جميلك»،  إلا أن الرجل ظل محافظا على التزامه بحدوده الوظيفية  رافضا استخدام  الحالة الشعبية الضاغطة كوسيلة للتسلل للمنصب، الرجل كان يُؤْمِن بتلك الحالة الشعبية كقيمة وليست وسيلة، السيسى فى هذه اللحظه يحاول السيطرة على الصراع الداخلى  فى وجدانه، كيف يوازن بين المطلب الشعبى الضاغط وبين ما بداخله من مخزون أخلاقى يأبى عليه أن يتعامل مع الرغبة الشعبية باعتبارها ردا لجميل  هو لايراه كذلك إنما يُؤْمِن به كواجب وطنى لايمكن  لشخص فى منصبه أن يتخلى عنه؟.                        
بمرور الوقت تصاعدت المطالَب بحجم  الإرادة الشعبية التى ملأت الشوارع والميادين يوم ٣٠  الثورة، إلا أن تلك الحالة لم تقتصر  على المطالبة بالترشح  بل عادت لتؤكد رشد ونضج  هذه الإرادة وتبرهن على أنها خرجت تماما وهى مدركة لما تريد.
تحت وطأة الضغوط اجتمع القائد بأعضاء مجلسه العسكرى للتشاور فى الأمر ولعل الخيارات التى كانت مطروحة أمامهم تمثلت فيما يلى:
■ تجاهل المطلب الشعبى الأمر الذى سيؤدى إلى تفتت كتلة الإرادة الشعبية
■ الابتعاد عن المشهد الذى سيؤدى إلى خلق صراع سياسى جديد سيؤدى بدوره  إلى فتح ثغرات جديدة للتسلل إلى جسد الوطن.
■ ظهور القائد العسكرى كما لو كان منسحبا أمام المسئولية.
■ إنتاج حالة إحباط عامة.
■ إنتاج مشهد انتخابى هزلى لا يليق بالمنصب الرفيع.
 أمام هذه الخيارات ما الذى كان يمكن للقائد أن يفعله؟ بعدما تحول المطلب الشعبى من مرحلة الثقة فى شخص السيسى منفردا إلى مرحلة الثقة الجمعية فى قيمة الجيش المصرى بأكمله.                        
لم ينه المجلس العسكرى اجتماعه الا وكان قرار الترشح قد فرض نفسه على الحالة، ولم يكن هناك فرصة للتراجع الذى ستراه الإرادة الشعبية انسحابا لقائد عسكرى، ومنذ هذه اللحظة تحول السيسى إلى مرشح فعلى للإرادة الشعبية.
 لقد أطل السيسى عبر الشاشات ليعلن ترشحه من خلال خطاب تضمن الرسائل التالية بوضوح:
■ اعتزازه الكامل بتاريخه العسكرى.
■ إعادة التأكيد على كامل احترامه للإرادة الشعبية.
■ الاعتراف بان الدولة تواجه مهمة شديدة الخطورة ثقيلة التكاليف.
■ التأكيد على ضرورة إعادة بناء هيبة الدولة.
■ التأكيد على أن مصر لن تكون مستباحة ولن تكون ملعبا لطرف داخلى أو إقليمى أودولى
■ التأكيد على ضرورة بناء وطن يسع كل المصريين
■ رفض اليأس والتشكيك.
■ الدعوة للعمل الجاد وللصبر والتحمل.
■ التأكيد على خضوع الجميع للقانون.
■ التأكيد على أهمية دور المواطن فى مشاركة الحاكم فى صناعة المستقبل.
■ إعلاء قيمة الأمن لمصر وللمنطقة المحيطة.
■ اعلاء قيمة إنكار الذات بلا حدود
■ التأكيد على أن الأمل هو نتاج العمل الجاد.
■ التحذير من خطر الإرهاب الذى سيستهدف مصر.
لقد جاءت كلمة الرجل بمثابة برنامج انتخابى متكامل عبر عن توصيف دقيق للحالة المصرية.                        
لقد جاءت كلمة السيسى التى أعلن  خلالها ترشحه لتثبت أنه ليس مرشح الضرورة بل مرشح التصدى لهذه الضرورة، لتثبت أنه مرشح المسئولية الوطنية، استعراض الرجل لصعوبة الأوضاع تم بسلاسة وتراتبية تعبر عن إلمام واسع بالحالة المصرية.
بعدها بدأ الرجل فى الظهور بملابسه المدنية، وفِى كل مرة كان يطل فيها من خلال أحد اللقاءات الانتخابية لم يتورط مرة واحدة أو يفقد ثباته الانفعالى أو يسمح لمحاوره أن يستدرجه إلى التلاعب بمشاعر الجماهير أو الحديث عن دور شخصى بل ظهر شديد الالتزام بفكرة المؤسسية.
فى كل  مرة كان يصر على قيمتى القانون والعمل، فى كل مرة كان مصرًا على وضع الناخب أمام مسئولياته الوطنية.
الرجل شديد التهذيب المصحوب بالبساطة الفطرية لم يقدم وعدا انتخابيا واحدا سوى العمل الشاق.
إصرار الرجل على أنه غير محمل بأى فواتير لم يكن استعلاء على الحالة الانتخابية، بل تعبيرا عن حالة علنية متعمدة كانت تهدف لخلق مسافة مناسبة بينه وبين أصحاب المصالح الشخصية والضيقة.
المرشح عبدالفتاح السيسى تقدم للترشح استكمالا لعملية شاملة لإنقاذ الوطن، الرجل الذى وصف بمرشح الضرورة بدا مصرا  على  ألا يبدأ مهمته الشاقة إلا بعد إدراك ناخبه لعناصر تلك الضرورة ودوره فى مواجهتها إنقاذا لنفسه ووطنه.