الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مسافة فى عقل السيسى «5 - 5» مصر أولًا وأخيراً

مسافة فى عقل السيسى «5 - 5» مصر أولًا وأخيراً






أصر منذ مراسم التنصيب أن يظهر منضبطاً كى يبدأ فى إعادة هيبة الدولة من اللحظة الأولى لحكمه

صارح المصريين بضرورة إنجاز الاستحقاق الدستورى وألزم نفسه بالإطار القانونى لصلاحيات وظيفته

أكد على مدنية الدولة والتزام الجيش بصون الإرادة الشعبية واتخذ من الحقيقة والصدق منهجاً لعمله

عرض أوضاع الدولة بالتفصيل دون تجميل وأعلن بأفعاله أن الندية سبيله للتعامل مع دول العالم

يوم ٣0 يونيو ٢٠١٤ أعلن فوز المرشح عبدالفتاح السيسى بعد حصوله على ٢٣ مليونًا و٨٧٠ ألفًا و١٠٤ أصوات، وهى أغلبية كاسحة تعبر عن ثقة مفرطة فى الرجل الذى استدعى شعبيا للمنصب، وقد عبرت النتيجة عن تماسك الكتلة الصلبة التى فرضت الإرادة المصرية يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ولم يكن من المصادفة أن يكون الرقم مقاربا لعدد استمارات تمرد التى أعلنت مساء ٢٩ يونيو ٢٠١٣ والتى بلغت حينها ٢٢ مليونًا و١٣٤ ألفًا و٤٦٥ صوتًا، لم يكن تقارب العددين صدفة أبدًا.
فِى يوم ٨ يونيو كانت مراسم تنصيب الرئيس الجديد الذى أصر منذ اللحظة الأولى  على الظهور منضبطا للبدء فى إعادة هيبة الدولة التى لابد أن تنسحب على الجميع، الرجل ظهر خاضعا لدولة سيادة القانون، ومساء نفس اليوم أقيم الاحتفال بقصر القبة.. حينها وقف الرجل مخاطبا المصريين للمرة الأولى كرئيس للجمهورية قاصدا الكشف عن الرسائل الآتية:
■ ضرورة  إنجاز الاستحقاق الدستورى، الرجل يصر على إلزام نفسه بالإطار القانونى لصلاحيات وظيفته.
■ التأكيد على مدنية الدولة المصرية.
■ تأكيد التزام الجيش بصيانة الإرادة الشعبية.
■ الالتزام بالحقيقة والصدق كمنهج للعمل.
■ عرض أوضاع الدولة تفصيلا، عجز حاد فى الموازنة، ارتفاع معدلات البطالة، استنزاف رصيد النقد الأجنبى، توقف السياحة، أزمة نقص حادة فى موارد الطاقة، إرهاب يستهدف الدولة.
■ رفض التصالح مع من أجرم أو اتخذ من العنف منهجا.
■ الالتزام بتجديد الخطاب الدينى.
■ التأكيد على أن العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكوم يستلزم وفاء كل طرف بالتزاماته
■ التأكيد على الندية كمنهج للتعامل مع دول العالم.
هكذا بدأ الرجل عمله معلنا بوضوح وثيقة حكمه تفصيليا، وليس عليك إلا أن ترجع إلى هذا الخطاب لتجد أن الرجل لم يخرج لحظة خارج هذا الإطار الذى ألزم نفسه ببنوده.                        
بدأ السيسى عمله رئيسًا للجمهورية بمواجهة نفسه، توقف لحظة محدثا ذاته ومتسائلا «يا أنا يا مصر؟!»..  إلا أن الإجابة لم تستغرق منه وقتا طويلا عندما ألزمه ضميره بالاختيار الحتمى لوطنه «مصر».
أرصد سلوك الرجل ومنهجية عمله منذ مجيئه ستجد انكارًا بلاحدود للذات، ستجد إصرارا ممنهجا على المواجهة، لن تجد خطوة واحدة أو إجراء واحد يمكن أن يساهم فى بناء مجد شخصى، لن تجد شبهة لبناء شعبية على قواعد وهمية.
لقد كان السيسى يعرف ما الذى يريده منذ البداية.. الرجل حدد أهدافه العاجلة فى:
■ استعادة هيبة الدولة بقوة القانون.
■ تثبيت مؤسسات الدولة.
■ التصدى للإرهاب.
■ الحفاظ على وحدة المصريين.
■ عدم السماح بالتدخل فى الشئون الداخلية للدولة.
■ إدارة عجلة الاقتصاد.
■ إيقاف نزيف الفساد.
■ رفع كفاءة جهاز الشرطة.
 ■ رعاية مصالح محدودى الدخل.
 لا يمكن أن يكون الرجل غير حريص على شعبيته عامدًا لاستنزافها إلا أنه قرر ألا ينشغل ببناء الشعبية عن بناء الوطن.
عبدالفتاح السيسى يبنى مجدا لوطنه لا لشخصه، الرجل كان بإمكانه أن يظل وزيرا للدفاع مدى الحياة لكنه اختار الوطن.        
أخذ السيسى يفكر كيف يكسر الحصار الذى تحاول أطراف إقليمية ودولية  فرضه على مصر؟ كيف يشرح للعالم أن مصر لم تكن فى صراع قانونى بين الشرعية وعدم الشرعية، بل صراع وجودى بين الدولة واللا دولة؟
اتجه الرجل سريعا إلى اختبار مدى تماسك وصلابة إرادة المصريين عندما أعلن عن توسعة قناة السويس وحفر أخرى جديدة، لم يكن العمل المادى الظاهر هو المقصود فقط، بل كان التأكيد على إمكانية إيجاد ما يلتف حوله المصريون، التأكيد على أن المصرى لديه ما يقدمه لوطنه، والأهم هو استحداث حالة جديدة تؤكد جدية النوايا وتجبر الأطراف الدولية على الاهتمام بما يجرى على أرض مصر بخصوص توسعات فى ممر ملاحى دولى، كان الرجل يقصد كسر جمود الحصار المفروض، كان يقصد أن تكون القناة الجديدة سبيلا لمرور العلاقات.
منذ البداية والرجل يتحكم فى أعصابه بحرفية شديدة، مصرا على تقديم نموذج أخلاقى فى القيادة لينسحب على علاقة الدولة بالمواطن وعلى علاقة المواطنين ببعضهم.                    
 تذكر عندما توجه السيسى حاملا باقة من الورد لزيارة إحدى ضحايا حادث التحرش الشهير بميدان التحرير ولتقديم الاعتذار لها، تذكر وتساءل عما يعبر عن حدوث تلك الواقعة على مرأى ومسمع من الجميع؟ كيف كانت الزيارة بداية فورية للتصدى الشعبى والإعلامى القضائى للظاهرة التى اختفت تماما بعد ذلك؟ وهل حرص الرئيس على صيانة الأعراض لم يعد من الأهمية بما كان حتى أننا لم نعد نعتبره إنجازا؟
هل نسينا عندما أعلن الرجل تبرعه بنصف ثروته ونصف راتبه من أجل الدولة؟ أم أننا نسينا عندما خرج عن النص وأقسم «والله العظيم أنا لو ينفع اتباع هتباع»؟
هل يمكن التعامل مع دولة بحجم مصر ورئيسها بشكل مزاجى؟ هل أصبحنا أسرى لحالة من إدمان تمجيد من يمتلك القدرة على الصياغات الرنانة بلا مضمون ويمتلك القدرة على الخداع؟
أم أننا وعن عمد أمام حالة متعمدة لانكار جدية القيادة هروبا من المسئوليات التى ترتبها هذه الجدية؟
ما الذى تركته زيارة السيسى للكاتدرائية من آثار فى النفوس؟ هل نسينا مشهد الطائرات العائدة  بعدما ثأرت لدماء المصريين التى سالت فى ليبيا؟ الرجل ومنذ اللحظة الأولى لم يقدم وعودًا براقة، ولم يتوقف عن العمل الشاق، لكن المدهش أن يعود المصريون مرة أخرى إلى حالة عدم إدراك ما الذى يريدونه لندخل مرة أخرى فى غيبوبة إدراك ما لا نريد وعدم إدراك ما نريد؟ هل هذه الحالة تتم بلا وعى أم أنها تتوارث عن الأجيال؟ أم أننا بصدد حالة عمدية للتغييب لأننا إذا أدركنا ما نريد فإن المنطق يقول بالسعى لتحقيقه وامتلاكه؟
أم أن هذه الحالة تعبر عن منهج استعلائى بأننا نستحق عيشة أكثر رفاهية دون امتلاك مقومات هذه الرفاهية أو تقديم دليل عملى على موجبات استحقاق هذه الرفاهية؟                 
السيسى هو أول رئيس تبنى حملة قومية لمكافحة الفساد ليس من منظور جنائى فقط بل من منظور أخلاقى أكثر اتساعا، السيسى قدم نموذجا إنسانيا جديدا للقدرة على إنكار الذات  وإعلاء المصلحة، الرجل الذى كان بإمكانه أن يظل وزيرا لدفاع مصر مدى الحياة آثر وطنه على نفسه مصرا على تسليم القيادة لمن بعده على رأس دولة وقد تحررت من أعباء اقتصادية وسياسية تراكمت عبر السنين، السيسى قرر التضحية مِن أجل الأجيال القادمة التى تستحق أن يشارك المصريون جميعا فى صناعة مستقبلها، أجيال تستحق أن يدرك المصريون أن كل ألم نتحمله الآن يقابله أمل تمتلكه الأجيال المقبلة.     
هل من بيننا من  يسأل كيف تمكن الرجل من كسر الحصار الدولى المفروض على وطنه؟ هل هناك من تساءل كيف عاد السفير الإيطالى إلى القاهرة بعد أزمة دبلوماسية حادة؟ هل يشغلنا ما تفعله الدولة المصرية فى العمق الاستراتيجى الليبى؟ هل توقف أحد محاولا فهم تفاصيل التحرك المصرى لفضح الدور القطرى لدعم الإرهاب وتعرية نظامها سياسيا وأخلاقيا؟
فِى ظل عالم مضطرب وآليات محدودة للمناورة هل هناك إدراك لحجم الجهود المبذولة لإحداث التوازن مع كل الأطراف؟
هل من بيننا من يعرف تفاصيل رفع كفاءة الجيش المصرى تسليحا وتدريبا لتقوية قاعدة ارتكاز وحماية الإرادة الشعبية؟
ألا يشغل أحد لماذا وكيف عادت مناورات النجم الساطع مع الجيش الأمريكى بعد توقف عشر سنوات؟
فِى ظل ضغوط ناتجة عن قرارات اقتصادية حتمية بتعويم سعر الجنيه ورفع جزئى للدعم هل من بيننا من نجح فى ترشيد سلوكه الاستهلاكى فاكتشف أن الكثير من أوجه إنفاقه يمكن تحويلها إلى الضروريات بدلا من الكماليات؟ هل نعلم حقيقة الإجراءات التقشفية التى فرضها الرجل على مؤسسات الدولة وفِى مقدمتها مؤسسة الرئاسة؟
عبدالفتاح سعيد حسين خليل السيسى على موعد مع انتخابات رئاسية جديدة لابد أنه يعكف حاليا على إعداد كشف حساب للفترة التى قضاها رئيسا منتخبا للبلاد، وحتما سيشمل الكشف تفاصيل ما تم إنجازه وما سيتم مستقبلا إذا شاءت الإرادة المصرية إعادة تجديد الثقة فيه.
الدستور المصرى يكفل للجميع، وفق ما ينظمه القانون، خوض الانتخابات الرئاسية، إلا أنه حتى هذه اللحظة لم يتقدم أحد إلى ساحة الرأى العام ليقدم نفسه من خلال رؤية واضحة مستندة إلى خبرات ومؤهلات محددة، أم أن المرشح المحتمل ينتظر اللعب فى مساحات التجريح فى منافسه، ومن المنطق إذا كنا سنقيم عبدالفتاح السيسى من خلال السنوات الأربع التى سيكون قضاها رئيسا للجمهورية دون منحه أى ميزة كبطل شعبى قبل توليه المنصب الرئاسى ودون منحه أى إمكانية لاستخدام رصيد سابق فى وجدان المصريين، بهدف وضعه على قدم المساواة أمام أى منافس، أقول إذا كان ذلك كذلك فإن هذه المساواة  نفسها تفرض على هذا المرشح أن يقدم دليلا عمليا على نجاح تجربة شخصية له دون إعادة تدوير الشعارات والنظريات حتى وإن كان متاحا له تقييم فترة رئاسة السيسى وهذا حق فإن عليه أن يجهز من الآن كشفا بما يراه إخفاقات يقابله كشفا علميا لكيفية تصويب تلك الإخفاقات وتحويلها إلى نجاحات.
المصريون جميعا مدعوون لممارسة الفريضة الوطنية التى لا ينبغى أن تكون غائبة فى أى لحظة، من الآن المصريون مطالبون بالتفكير والتأمل والتدقيق والتقييم لما يمكن أن يقدموه ليس لعبدالفتاح السيسى أو منافسه بل لأنفسهم ولمستقبل أبنائهم.