الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
سنة من عمر مصر!

سنة من عمر مصر!






لا تنتهى ذكريات الأستاذ الكبير والشاعر الرائع «كامل الشناوي» مع الفترة التى قضاها فى جريدة روزاليوسف اليومية وعاصر عن قرب معركة «روزاليوسف» السيدة والجريدة اليومية مع حزب الوفد.
وبعد مرور سنوات طويلة على مغادرته «روزاليوسف» كتب شهادته عن هذه الفترة المهمة فى حياته فى مقال بديع عنوانه «سنة من 32 سنة» روى فيه ذكرياته قائلا:
قال لى «فتحى غانم» بعد أيام تبلغ «روزاليوسف» عامها الثانى والثلاثين وكدت أضع كفى على فمه حتى لا يسترسل فى هذا الحديث، فلا ينبغى للإنسان المهذب أن يتكلم عن أعمار السيدات، والمفروض فى «فتحي» أنه إنسان مهذب!
ولكن فتحى غانم لم يكن يتكلم عن السيدة «روزاليوسف» وإنما كان يتكلم عن مجلة «روزاليوسف» والواقع أن ما أعرفه عن السيدة «روزاليوسف» يجعلنى أعتقد أن الحديث عن عمرها لا يسىء إليها، فقد عرفتها رجلا!
كانت دائما ثائرة متحررة عنيدة شجاعة تهاجم فى عنف وتؤيد فى رفق، لا تقول إلا ما تعتقد ولو كان ما تعتقده يعرضها لغضب الحاكم أو سخط الجماهير. فبين الناس من لا يقول كلمته، وبينهم من يقول كلمته ويمشى وبينهم من يقول كلمته ويقف وراءها!
ولقد عشت مع روزاليوسف وهى تقول كلمتها وتتمزق قطعة قطعة «روزاليوسف» السيدة.. وروزاليوسف المجلة وروزاليوسف الجريدة اليومية!
كان ذلك عام 1935 وقد صدرت جريدة «روزاليوسف» اليومية وأحدث صدورها انقلابا جارفا فى عالم الصحافة، صدرت فى 16 صفحة واشترك فى تحريرها «العقاد» و«عزمي» و«توفيق صليب» و«زكى طليمات» وعدد لا يحصى من الفنانين والرسامين والمصورين وعشرات من الصحفيين بعضهم كان معروفا، وبعضهم صار معروفا!
وقد اكتسحت «روزاليوسف» بقية الجرائد، بلغ توزيعها مائة ألف وكان مجموع ما توزعه كل الجرائد الصباحية والمسائية الأخرى لا يزيد على مائة ألف، وكان مفهوما أن روزاليوسف اليومية لسان من ألسنة الوفد، ولكن الوفديين تنكروا لها، وأيدوا جريدة الجهاد التى كان يصدرها الأستاذ الكبير «محمد توفيق دياب».
وقد حدث أن انتدبتنى جريدة «روزاليوسف» لمرافقة رئيس الوفد فى رحلته إلى الصعيد، ولم يكد يرانى حتى سألني: إيه اللى جاباك؟! فقلت: أنا مندوب «روزاليوسف» اليومية! فقال بصوت عال: روزاليوسف دى إيه؟! فين مندوب الجهاد ومندوب كوكب الشرق؟! ولم أستطع أن استمر فى مصاحبة رئيس الوفد وعدت إلى القاهرة وكان سيادته لا يزال فى سوهاج!
وكان سر الخلاف بين «الوفد» و«روزاليوسف» أن روزاليوسف عارضت الوزارة القائمة وزارة نسيم باشا، فقد أعلن رئيسها أنه سيعيد الدستور ويجرى الانتخابات العامة ومضت الأيام والأسابيع والشهور، ولم يبد فى الجو ما يبشر بقرب عودة الدستور وإجراء الانتخابات.
كانت الصحف تجامل توفيق نسيم وانفردت «روزاليوسف» بمعارضة الوزارة النسيمية - التى كان الوفد يؤيدها - وحمل لواء المعارضة كل كُتاب «روزاليوسف» وفى مقدمتهم الكاتبان الكبيران الأستاذ «عباس العقاد» والدكتور «محمود عزمي» وأصدر «نسيم باشا» بيانا للناس حاول فيه أن يرد على حملات «روزاليوسف» ويطمئن المتشككين فى موقفه إلى صدق وطنيته وحسن نواياه!
وقامت روزاليوسف بحملة جديدة على نسيم باشا، وتدخل رئيس الوفد وزعماؤه لوقف الحملة، ولكن روزاليوسف أصرت على موقفها!
قال لها العقاد: إن حملاتى قد تتسبب فى إلغاء رخصة الجريدة فما رأيك؟! فقالت: ولو!
قال لها «عزمي» لقد علمت أن الوفد سيصدر قرارا بخروج «روزاليوسف» على الوفد ومعنى هذا أن الجريدة ستنهار! فقالت: ولو!
وعقد الوفد اجتماعا عاجلا، كان أعضاء الوفد فى الإسكندرية فجاءوا إلى القاهرة فى قطار الصباح، واجتمعوا وقرروا أن «روزاليوسف» لا تعبر عن رأى الوفد.. ثم عاد الأعضاء إلى الإسكندرية فى قطار المساء!
وقد صدر القرار يوم الأحد وهو يوم العطلة الأسبوعية لـ«روزاليوسف» اليومية، فأصدرت «روزاليوسف» ملحقا يحمل قرارات الوفد، وكانت عناوينه الكبيرة تحوى هذه الكلمات:
الوفد المصرى يحل القضية المصرية فى جلسة خطيرة يحضر لها من الإسكندرية!
ثم نشرت نص القرار وعلقت عليه بالآية القرآنية الكريمة:
«قد افترينا على الله كذبا إن عدنا فى ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما كان لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا».
«ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين».
وقد بيع من هذا المحلق (200 ألف) مائتى ألف نسخة!
ولذكريات «كامل الشناوي» بقية!