الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تقرير المصير

تقرير المصير






من 30 يونيو 1967 إلى 30 يونيو 2013 تعرض رصيد الإرادة المصرية للاستنزاف فجاء السيسى ليستجمع شتات الوطن

لم يكن نصر أكتوبر حدثا ماديا عاديا، إنما كان عنوانا ودليلا عمليا على صلابة الارادة المصرية، وبرهانا ساطعا على أن مصر عصية على الانكسار، هذا ما يؤكده السلوك الإسرائيلى تجاه مصر عقب الخامس من يونيو عام ١٩٦٧، فبرغم نتائج الهزيمة العسكرية الغادرة التى أصابت الجيش المصرى وقتها إلا أن إسرائيل لم تكف لحظة عن ممارسة الحرب النفسية ضد مصر مستهدفة إرادة الشعب والجيش فى نفس التوقيت، ولو كانت إسرائيل متيقنة أن الهزيمة المادية كافية لتوقفت عن حربها المعنوية لكنها كانت تدرك خطورة السر الكامن فى أعماق صلابة الإرادة المصرية، كانت تدرك أنها أقدمت على المساس بمفهوم الكرامة لدى المصريين، كانت تدرك أنها ربما أيقظت عملاقا ماردا من سباته، لكنها لم تدرك أبدا مايمكن أن يفعله هذا المارد إذا تمكن من النهوض.

على امتداد أرض سيناء انتشرت أشلاء الشهداء المصريين، على امتداد ترابها انتشرت بقايا أجزاء السلاح المصرى المحطم، وقتها لم تتوقف الآلة الإعلامية الإسرائيلية عن تكرار عرض تلك المشاهد، لم تتوقف أبدا عن عرض مشاهد الأسرى المصريين، لكنها لم تنجح لحظة فى أسر الارادة المصرية، الحرب النفسية الإسرائيلية تحولت إلى نور ونار داخل البيوت والنفوس المصرية، الهزيمة الغادرة وحدت البيوت المصرية فى لحظة، نساء مصر جسدن مفهوم الوحدة واتشحن جميعهن بالسواد فى القاهرة وفِى الوجهين البحرى والقبلى تعبيرا عن الحزن والغضب، البيوت جميعها بمسلميها ومسيحييها لم تخبز كعكا فى هذا العام، وبينما الأسرى المصريين تملأ صورهم وسائل الإعلام العالمية، كانت الإرادة الحرة المصرية قد ملأت القلوب واتخذ الشعب قراره بالثأر طاقة للنهوض وبدء المعركة.

وسط ظلام الهزيمة ومرارتها انطلق عبدالحليم حافظ مغنيا بصوته الحزين موال النهار مبشرا بطلوع الشمس على كل دروب الوطن، لم تكن الحالة الغنائية قاصرة على المعنى الفنى إنما إعلانا بالتحدى أن مصر الجريحة لم تنكسر وقادرة على الإبداع والإلهام، ومن مفارقات القدر أن العمليات القتالية لحرب الاستنزاف قد بدأت يوم ٣٠ يونيو من نفس العام أى فى غضون اقل من شهر، يبدو أن مصر كانت على موعد قديم مع ٣٠ يونيو تاريخا مسجلا لتجديد امتلاكها لارادتها ومصيرها، من رأس العش إلى شرق الإسماعيلية ثم إلى تدمير إيلات شمال شرق بورسعيد وصولا إلى تدمير الحفار، انطلق طوفان الارادة المصرية الذى لم يعد بالإمكان إيقافه قبل الوصول لهدفه.
انطلقت حرب الاستنزاف بعدما فتحت إسرائيل على نفسها باب جحيم الكبرياء المصرى، انطلقت الحرب من مرحلة الصمود إلى الدفاع النشط وصولا إلى التحدى والردع، وخلال ست سنوات قدم الشعب المصرى نموذجا أسطوريا لتماسك الجبهة الداخلية، وعلى قاعدة هذه الجبهة الصلبة استطاع الجيش المصرى أن يعيد تنظيم صفوفه ويعيد بناء وحداته وتشكيلاته، وقتها قدم الشعب المصرى نموذجا لاندماج القوى الناعمة بالقوى العسكرية الخشنة عندما راحت سيدة الغناء العربى السيدة أم كلثوم تطوف المسارح داخل وخارج مصر تشدو فى حب الوطن ثم تتبرع بأجرها كاملا إلى المجهود الحربى، راحت تغنى دوس على كل الصعب وعلى نغمات صوتها الذهبى واصل المقاتل المصرى دهس الهزيمة على أرض سيناء.
فى تحدٍ أسطورى مع الزمن تمكن الجيش المصرى برعاية شعبه من الانتصار على الانكسار، وداخل كل بيت مصرى تكونت جبهة داخلية خاصة وتراصت تلك الجبهات لتقوم عليها جبهة القتال الموحدة المتماسكة على امتداد خط المواجهة، ولم يبدأ عام 1973 إلا وكانت مصر بشعبها وجيشها قد تمكنت من عبور الحاجز النفسى قبل عبور الحاجز المائى، وتحت شعار «الإيمان والصمود والتحدى» راحت القوات المسلحة تبنى حائط الصواريخ بعدما انتهت من هدم جدار الخوف والشك والتشكيك، بينما وضع الشعب كامل المخزون الاستراتيجى للارادة المصرية وقودا للمعركة، سنوات الضباب تبددت أمام أنوار الارادة الشعبية وأمام لهيب نيران المدفعية المصرية، وفى الوقت الذى كان العالم كله ينظر إلى مصر باعتبارها أمة مهزومة إلى الأبد بكل المقاييس والحسابات السياسية والعسكرية منتظرا رضوخها واستكانتها، إلا أن مصر العظيمة كانت على موعد جديد مع التاريخ الذى طالما ملأت صفحاته بسطور الكبرياء والعزة والكرامة.
على مدار أربعين عاما وتزيد ظلت مصر محتفظة بإرادتها بعدما حررت القرار مع تحرير الأرض، استهلك المزايدون رصيد مزايدتهم ولم يحرك أحد القضية الفلسطينية قيد أنملة، عاد المقاطعون إلى مصر مهرولين ولم يقدم أحد منهم لفلسطين ما يعادل الدماء المصرية الزكية، القرار المصرى الحر ظل فى خدمة مصر والوطن العربى ولم تتخاذل مصر عن المصالح العربية مرة واحدة ووقفت بجيشها فى مواجهة الزحف الإيرانى نحو بغداد فى ثمانينيات القرن الماضى، ثم تصدت بقواتها البرية للعدوان العراقى الغاشم على أرض الكويت، وعلى قاعدة القرار السياسى الحر رفضت التورط بجيشها فى حرب ضد العراق عام ٢٠٠٣.

ظلت مصر صاحبة الحق فى تقرير مصيرها ورفضت فى شموخ إقامة قواعد عسكرية على أرضها مقابل فتح خزائن المجتمع الدولى أمامها، مصر الأبية ظلت شامخة فى مواجهة ضغوط إخضاعها للتبعية أو استدراجها لمغامرات غير محسوبة، على مدار أربعين عاما أعجزت مصر المتآمرين الذين مازالوا لم يستوعبوا صدمة ما حدث ظهيرة السادس من أكتوبر عام ٧٣.
على مدار أربعين عاما ومحاولات إعادة كسر الارادة المصرية لم تتوقف، المتربصون تكالبوا على مصر عشيةً ٢٨ يناير ورفعت قناة الجزيرة شعار الخيانة المعلنة «معا لإسقاط مصر»، وقتها ظلت مصر الجريحة تحاول النهوض رافضة محاولات كسرها، تجمع حولها المتآمرون والغافلون وفى مقدمتهم تنظيم الإخوان الدولى الذى لا يعترف بفكرة الوطن التى رأى فى مصر تجسيدا حيّا لها، وفى ظهيرة ٢٤ يونيو ٢٠١٢ ظنت تلك الجماعات أن مصر استكانت لهم بعدما أنجح مندوبهم المتخابر المكلف من جماعته باقتياد الدولة المصرية إلى تنظيمه الدولى، ظن هو وتنظيمه أن عملية تركيع مصر قد نجحت بعدما ارتكبوا خطيئة الجهل بقدر ومقدار مصر، لم يستوعبوا دروس وعبرات التاريخ، ولأن الارادة الحرة لايدركها إلا الأحرار، ولايمكن أن يدركها الأذلاء ممن انحنوا أمام مرشدهم فقد راحت تلك الجماعة التى تتخذ من الاذلال منهجا تعربد فى مؤسسات الدولة المصرية كما عربدت إسرائيل فى أرض سيناء عام ٦٧، لكن المعربدين لم يدركوا أنهم على موعد مع الرجال.
طوال عام بأكمله لم يفهم التنظيم الدولى المعتنق لعقيدة التخابر قولا وعملا معنى الدولة المصرية، لم يستوعب حجم هذه الدولة التى لا ينافسها فى القدم إلا التاريخ نفسه، ظن المحتلون الجدد أنهم قادرون على العبث بهويتها بعدما تناسوا دروس التاريخ اختاروا تضليل انفسهم الضالة بإرادتهم، لم يفهموا إشارات الشعب المصرى، تعالوا على رسائل الدولة، استكانوا وركنوا إلى مشغلهم القديم، ضرب الله على قلوبهم وعقولهم غشاوة، لكن كما أنطلقت شرارة حرب الاستنزاف يوم ٣٠ يونيو ١٩٦٧ضد المحتل الإسرائيلى، فقد انطلقت حرب الاسترداد يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣ لاستعادة الارادة المصرية فى مواجهة المحتل الإخوانى، حينها خرجت طوائف الشعب المصرى بطوفان الارادة الشعبية لتقف مصر من جديد مستعيدة شموخها أمام العالم أجمع وقادرة على ابهاره من جديد.

وفى يوم ٣ يوليو ٢٠١٣ وقف عبدالفتاح السيسى معلنا بلسان مصر قرار شعبها باسترداد وطنه من براثن التنظيم العصابى، مرتكزا على قاعدة الإرادة المصرية العريضة التى أبهرت العالم، ووقف السيسى محاطا بممثلى طوائف الشعب قاصدا الظهور كناطق باسم الارادة الشعبية وأمينا عليها، ثم عاود النداء على الشعب ودعاه إلى النزول يوم ٢٦ من نفس الشهر ليؤكد أن ما حدث يوم ٣٠ يونيو لم يكن نزوة جماهيرية إنما قرار شعب امتلك إرادته، وعلى أرضيتها جاء السيسى رئيسا منتخبا فرضته رغبة المصريين التى منحت رئيسها المنتخب زخما ورصيدا هائلا أمام المجتمع الدولى فراح مستندا إلى هذا الرصيد ينفذ خطة تحرير القرار المصرى وبناء حالة الندية القائمة على تبادل المصالح، ثم انطلق نحو كسر حالة الحظر التى حاولت أطراف دولية فرضها على مصر، وبعدها اتجه مباشرة نحو تنويع مصادر التسليح كدليل عملى على أن دولة ٣٠ يونيو تمتلك أدواتها وإرادتها.
ثم عاود السيسى الاطمئنان على الرصيد الاستراتيجى لهذه الإرادة  التى يستند إليها وهو يناور فى المحافل الدولية لترسيخ مكانة مصر والدفاع عن مصالحها، فدعا المصريين إلى المساهمة فى تمويل حفر قناة السويس الجديدة للتأكد من صلابة تلك الإرادة.
عبدالفتاح السيسى الذى اختار أن يكون حارسا أمينا على الارادة المصرية تأبى أمانته أن يساهم بأى قدر فى تزييف تلك الإرادة التى قرر أن يخدمها لا أن يستخدمها.
من ٣٠ يونيو ٦٧ إلى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ تعرض رصيد الإرادة المصرية للاستنزاف والتجريح فجاء السيسى يوم ٣ يوليو ليستجمع شتات هذه الإرادة ويقف بها أمام العالم ليؤكد أن الشعب المصرى سيد قراره ومالك إرادته، لكن اذا كان السيسى ارتضى قدره أن يكون خادما للارادة المصرية فإن الأمور لا تستقيم إلا إذا خضعت تلك الإرادة لخدمة الدولة المصرية.
تحرير القرار المصرى بعدما تحررت الإرادة المصرية ليس رصيدا شخصيا لأى رئيس، إنما رصيد ومورد بشرى يضاف للأوطان.
من غزة إلى قبرص إلى الأمم المتحدة ثم إلى أفريقيا والصين وأوروبا وروسيا، تتحرك مصر بقوة إرادة شعبها التى منحت رئيسها طاقة دبلوماسية مهولة وقدرة فائقة على مرونة الحركة الصلبة لمصر القوية.