الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ملايين المنتخب!

ملايين المنتخب!






لم تعد آفة حارتنا النسيان بل التناسى المتعمد والممنهج والمقصود، يبدو أن هذا التناسى يمكن أن يصلح مبررًا مريحًا  للتنصل من المسئوليات الإنسانية والوطنية، يبدو أن الانجرار وراء محاولات الابتزاز والتشويه أصبح عادة شعبية.
ذات يوم وقف عبدالفتاح السيسى معلنا التنازل عن نصف راتبه، وقف متنازلا عن نصف ميراثه، ثم واصل أداء مسئوليته الإنسانية ليشترى من ماله الخاص سيارة لفتاة العربة الشهيرة بالإسكندرية، وبعدها تبرع من أمواله لبناء أول مسجد وكنيسة فى العاصمة الإدارية الجديدة، ثم استمر فى العطاء الإنسانى متحملاً ثمن شراء كرسى كهربائى متحرك لواحدة من ذوات الاحتياجات الخاصة.
روى عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الصدقة برهان الإيمان»، والآن هناك رجال يثبتون أن بذل المال هو دليل وبرهان الوطنية.
وسط حالة من الترقب كانت جموع الشعب المصرى تنتظر المباراة الحاسمة لوصول منتخبنا الوطنى لتصفيات كأس العالم، لكن أحدا لم يتساءل عن حجم المجهود الذى بذل والأموال التى أنفقت لكى تتاح مشاهدة المباراة مجانا لكل المصريين على شاشة إحدى القنوات المصرية الوطنية؟

وبرغم ذلك ذهبت الملايين تنفق الملايين لمشاهدة المباراة على المقاهى والكافيتريات، وقبل وأثناء وبعد المباراة أنفقت ملايين إضافية على مكالمات الهواتف المحمولة، ثم ملايين ثالثة على الألعاب النارية التى أطلقت فى الميادين احتفالا بصعود المنتخب لمونديال ٢٠١٨، ولو أن هذه الملايين ذهبت لصندوق تحيا مصر لربما كان رصيد الصندوق قد تضاعف لخدمة المحتاجين والفقراء، لكن أحدا لم يفكر سوى فى فرحته دون التفكير فى من جلب الفرحة وما الذى يستحقه من دفع بشحنة تفاؤل ووطنية إلى قلب الوطن.
 التناسى المتعمد طال صانع بهجة المصريين اللاعب الأسطورة محمد صلاح الذى تبرع لصندوق تحيا مصر بمبلغ خمسة ملايين وهو نفسه من رفض السيارة المرسيدس التى وهبها له رجل أعمال شهير  بل طلب منه التبرع بقيمتها التى بلغت ثلاثة ملايين لمستشفى بلدته فى بسيون،  ولم يتساءل أحد كم تساوى حجم الدعاية للدولة المصرية التى تصدر اسمها عناوين الصحف العالمية بعد الصعود للمونديال؟ لم يتساءل أحد عن قيمة الأمن الذى بسطته حالة الفرحة وسط الحشود التى نزلت إلى الشوارع والميادين دون ترتيب مسبق؟ لم يتعامل أحد مع القيمة المعنوية للمكافأة المنصرفة من خارج ميزانية الدولة والتى جاءت لتقر مبدأ عادلا عنوانه الجزاء من جنس العمل، لم يتساءل أحد كم كان أى مصرى على استعداد أن يدفع لو علم أن منتخب بلده لن يصعد إلى المونديال؟!  
ماذا لو أعلنت الدولة عن شهادة استثمار جديدة باسم «شهادة المونديال» بعائد مجز، تخيل حجم الأموال التى كانت ستتدفق على خزائن البنوك المصرية، ولم تعرف طريقها إلى صندوق تحيا مصر؟!
المدهش أن حالة الاندفاع وراء عملية الابتزاز الوهمية التى ركبها التنظيم الدولى الإخوانى الإرهابى قد انساقت وراءها جموع استمتعت بحالة النشوة والفرحة التى أحدثتها  نتيجة المباراة دون أن تفكر منطقيا فى الأسباب الحقيقية لهذه الحملة الإخوانية التى لا يمكن أن تكون حريصة على المال العام إذا افترضنا أنه عام ومنصرف من الخزانة العامة وهو ما لم يحدث، لم يفكر المنساقون كيف سمحوا للتنظيم الإرهابى أن يتسلل إلى قلب الفرحة المصرية بعدما تسبب إرهابه وعنفه فى استنزاف ثروات الدولة المصرية ومواردها ومقدراتها ومرافقها؟ والآن يتباكى على الملايين المنصرفة للاعبى المنتخب بعدما استنزف مليارات الدولة وممتلكات الشعب!!
 «لن تنالوا البر حتى تُنفِقُوا مما تحبون» هكذا قال المولى عز وجل موجها رسالة بناء وعطاء للبشر، لذلك فإن بناء الأمم لا يتم إلا بالبذل والعطاء والتضحية وليس بالتربص بالوطن، وإذا كنا نتكلم عن الشباب وعن مدى اهتمام ورعاية الدولة لهم  فعلى الجميع أن يتذكر أن جميع لاعبى المنتخب هم من شباب هذا الوطن الذين قدموا البهجة لكل مصرى ومصرية فلا يجوز مقابلة العطاء بالجفاء.
ثم دعونا نتساءل هل هناك من يعلم فيم أنفق كل لاعب قيمة المبلغ المنصرف؟ هل هناك من يستطيع أن يعلم ما إذا كانت تلك المبالغ قد دخلت إلى حساباتهم الشخصية بالفعل؟ هل يستطيع هذا الشخص المطلع على الحسابات السرية أن يخبرنا كم خرج من هذه الحسابات لأوجه الخير ولوجه الوطن؟
وإذا افترضنا أنه تم الإعلان عن فتح باب التبرع لتقديم جائزة شعبية ضخمة للاعبى المنتخب مكافأة لهم على إسعاد الملايين فهل هناك من يستطيع أن يخبرنا كم ستكون قيمة المبالغ المتحصلة؟
هل هناك من يستطيع أن يخبرنا بمضمون الرسالة التى وصلت إلى المنتخب وجهازه الفنى؟
ثم دعونا نتساءل من يستطيع أن يحسب على وجه التحديد قيمة العائد المادى والمعنوى الذى سيجلبه صعود منتخبنا لمونديال روسيا؟ لمن كانت ستذهب هذه الأموال إذا لم تصرف للمنتخب؟ ومن هم المحتاجون لها؟ فإذا كان هناك من يعلم مستحقيها من وجهة نظره فعليه أن يخبرنا عن حجم الدعم والرعاية الذى قدمته الدولة لتلك الشريحة قبل أن يحصل لاعبو المنتخب على مكافآتهم من غير خزينة الدولة، كما أن عليه أن يخبرنا بحجم المبالغ التى قدمت لهؤلاء الفقراء ممن انتقدوا المكافآت، كما أن عليه أن يخبرنا بحجم الأموال التى قدمها لاعبو المنتخب لصندوق تحيا مصر إذا كان يعلم، أين كان المنتقدون من هؤلاء الفقراء وهم يستمتعون   بحمامات الشمس على شواطئ الساحل الشمالى خلال الصيف المنقضى قريبًا؟
كما أن عليه أيضا أن يجاهر أن ما فعله المنتخب ليس إنجازًا يستحق المكافأة، فإذا كان الشخص الذى يمتلك تلك الحقائق غير موجود أو ليس لديه الشجاعة لمواجهة الإنجاز والفرحة الشعبية فإن علينا جميعا أن نقول خيرا أو لنصمت.
 أكاد أجزم أن غالبية من انساقوا وراء هذه الحملة هم الآن منشغلون بكيفية السفر إلى روسيا لمتابعة مباريات المنتخب، ويجهزون منذ الآن إجراءات السفر  وتكاليفه التى حتمًا تتجاوز قيمة ما تم صرفه للاعبى المنتخب، فإذا كانوا مازالوا مؤمنين بأوهامهم فعليهم فورا إلغاء فكرة السفر ثم التبرع بالمبالغ التى تم تدبيرها لصندوق تحيا مصر، وكذلك أصحاب المقاهى والمطاعم الممتعضين من صرف مكافأة المنتخب فإن عليهم أن يعلنوا منذ الآن عن مشروب ووجبة مجانية لمن سيرتادون محلاتهم لمشاهدة المباراة الأولى للمنتخب المصرى فى المونديال تعبيرا عن التضامن الوطنى والاجتماعى، ثم عليهم فى إطار الشفافية أن يعلنوا عقب انتهاء المونديال عن حجم أرباحهم التى  حققوها خلال استمتاع الجمهور بمشاهدة مباريات الفريق المصرى الذى نجح فى الصعود، كذلك أصحاب شركات السياحة التى ستحقق أرباحا طائلة من رحلات السفر إلى روسيا فإن عليها أن تكشف سريعا أرباحها وعلى الدولة أن تحصل ضرائبها فورا والمستحقة عن الأرباح التى حتما ستتراكم لنفس السبب وهو مشاركة المنتخب فى المونديال، أضف إلى ذلك أرباح بائعى الأعلام المتجولين فى الشوارع ممن لا يدفعون الضرائب أساسا، ولا يغيب عن المشهد مستوردو الألعاب النارية التى ستنطلق فى الميادين العامة لتحقق لبائعيها أرباحًا طائلة، ثم على الجميع أن يعلن عن حجم الرواج الذى أحدثه صعود المنتخب وكم تساوى فرحة وبهجة المصريين ثم التبرع بكل ذلك لصندوق تحيا مصر.