الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صباح الخير أيها الجهل!

صباح الخير أيها الجهل!






«صباح الخير أيها الحزن» اسم رواية شهيرة للأديبة الفرنسية «فرانسوا ساجان» الرواية بديعة وممتعة، ولو كنت روائيًا لكتبت رواية بعنوان «صباح الخير أيها الجهل».. استوحى مادتها وفصولها وتفاصيلها وأبطالها من مشاهداتى التعيسة للفضائيات العربية!!
ومع الأسف الشديد لست روائياً أو شاعراً لكنى مجرد كاتب صحفى على باب الله، لا أنتمى لحزب أو مثله، ولا ادعى أننى امتلك الحقيقة المطلقة والصواب المطلق، ولا أملك شجاعة تكفير أو تخوين الآخر!!
ويدهشنى تلك الثقة والجرأة والشجاعة والجسارة التى يتمتع بها أهل الفضائيات وبرامجهم ومذيعوهم ومذيعاتهم وأغلب ضيوفهم فى الكلام بثقة لا حدود لها فى كل شىء بجهل لا نظير له!!
ولا اعترض على هذا الجهل النشيط ما دام يخص صاحبه وحده لكن المصيبة أن هذا الجهل يتجاوز صاحبه أو صاحبته ليطير من الفضاء ليسكن عقول الملايين من المشاهدين الكسالى الذين يخاصمون الفكر والعقل والقراءة والمعرفة!!
وما أكثر الإحصائيات والأبحاث والدراسات عن المشاهدين نوعيتهم، أعمارهم، مؤهلاتهم الجامعية، لكن لا توجد دراسة واحدة عن نسبة «الجهل» الذى بثته الفضائيات وغرسته فى عقول المشاهدين البسطاء: رجالا ونساءً!!
لقد صدق الكاتب الأستاذ «د.مأمون فندى» عندما كتب منذ فترة يقول: ما يبهرنى فى الإعلام العربى هو غياب المعلومات وكثرة الآراء حول شبه المعلومات، الرأى والرأى الآخر، لا المعلومة والمعلومة البديلة، «مطحنة جهل»!
لقد توقعت بدهشة أمام تحليل ورؤية مهمة له يقول فيها: منذ بداية ما سمى بالربيع العربى حتى الآن انفتحت شهية العرب لا على القراءة، بل على الكتابة والكلام المتلفز!! المشكلة فى عالمنا العربى اليوم هى أن كثيرين ممن يتحدثون عن مؤامرات الغرب وعن ثقافة الغرب وعن صناع السياسة فى الغرب لم يخبروا الغرب أو يعرفوه عن قرب، هم يؤلفون وهماً كى يصدقوه!!
تقرأ مقالات منمقة عن الغرب وتسمع مقابلات تليفزيونية ومعظمها يدعى أنه يكشف عن أمر جاد، ولكنه فى الحقيقة يعيد تدويراً لنفايات معلومات انتجت على هام الثقافات والمجتمعات الغربية، وبما أن ثقافتنا فى مجملها وليس فقط فى صحفنا وتليفزيوناتنا خالية من المعايير التى يجب أن تمر من خلالها المعرفة وليس بها غربال يغربل التراب من الحب، فلا فرق بين من تعلم أو من لم يتعلم «المهم هو من الذى سينصبه صاحب القناة أو الصحيفة متحدثا باسم الوطن!! أو من اشترى لنفسه كم مليون متابع فى تويتر!
وليس مهماً أن من يتحدث يعرف أو لا يعرف، المهم هو أن صاحب القناة ــ الصحيفة منحه مساحة لنشر الجهل الذى يبدو وكأنه علم، لمجرد تكراره كل يوم من خلال أعمدة صحيفة أو من خلال وهج الشاشات الأزرق!!
ويروى مأمون فندق واقعة ذات دلالة مهنية بالغة فيقول: أذكر أن «نيويورك تايمز» طلبت منى مقالاً بعد سقوط تمثال صدام فى بغداد، وكان مغرياً أن افتتح المقال بأغنية «أم كلثوم» كان صرحاً من خيال فهوى «لتتصل بى محررة الرأى فى اليوم التالى لتسأل عن تاريخ الأغنية!! وأين غنتها الست؟! وهى معلومات لم أذكرها وأنا فى سكرة اللغة والسطر البلاغى الأول الذى يرسم ملامح بقية المقال! وقالت فى صرامة: لن أستطيع نشر المقال رغم جماله، إلا بعد أن تكون لدى هذه التواريخ والمعلومات.
باختصار شديد ودون لف أو دوران يؤكد مأمون فندي: مشكلتنا اليوم فى عالمنا العربى خصوصاً بعد ظهور السوشيال ميديا «الإعلام الاجتماعى» الذى لم يعد اجتماعياً، أن المعلومات غائبة والمعايير غائبة، لذا تمر الأكاذيب كمعلومات بالتكرار والإلحاح على هذا التكرار، وكأن تكرار الكذب يحوله إلى حقيقة!!
جاء الربيع وذهب ولم تتغير اللغة، ولم يحدث جديد فى معايير ما يعرض على العامة من كلام يكتب فى الصحف، أو يقال على الشاشات!! الإعلام الرخيص ينتج لغة رخيصة ومعلومات رخيصة، ويكون نتيجة ذلك ثقافة رخيصة قد تنتج مجتمعات رخيصة!!
إن لم يكن العلم والصرامة واللغة الجديدة سبيلنا، فلن يغيرنا لا ربيع ولا خريف.
صحيح معك يا دكتور مأمون فندى ولكن قلبك أبيض!!