
محمد صلاح
مهرجان « البوس»
الحرم الجامعى فقد هيبته وقدسيته، ولم يعد محرابا للعلم، بعدما دأبت فئة ضالة مضلة من الطلاب والإداريين والأساتذة لتحويله إلى ملهى ليلى، أو وكر لممارسة الدعارة والفجور.
الجامعات كانت وستظل مرآة للمجتمع، الذى انكشفت عوراته عقب أحدث 25 يناير، فطفح بأسوأ ما فيه، فانحدر الذوق العام، وانتشر الانفلات الأخلاقى، والتقليد الأعمى للعادات والتقاليد المستوردة من الخارج، كما غاب الوعى المجتمعى، وشهامة وجدعنة أولاد البلد.
ليس غريبا أن تتذيل الجامعات المصرية قائمة جامعات العالم، بعدما فقدت بريقها ودورها كمركز للإشعاع الحضارى والتنويرى، وتعزيز قيم التسامح والمواطنة، فالطلاب الذين يعانون من التناقض وغياب الهوية والقدوة، انساقوا وراء المبالغة والتطرف فى الأفعال والأقوال، بينما انشغل بعض الإداريين والأساتذة بالبحث عن تلبية رغباتهم وشهواتهم المكبوتة، وملء جيوبهم بأموال الدروس الخصوصية والكتب الدراسية، متناسين دورهم الأساسى فى احترام قدسية الحرم الجامعى، وتأهيل الشباب للقيادة فى المستقبل.
ومع احترامنا للجهود التى يبذلها الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالى، ورؤساء الجامعات لعودة الانضباط للحرم الجامعى، إلا أن الصدمات العنيفة مازالت تتوالى، فمن منا لا يتذكر أستاذة الفلسفة بجامعة السويس التى استفزت الرأى العام عندما نشرت فيديوهات لها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وهى ترقص فوق سطح منزلها، وصورا إباحية وهى ترتدى المايوه البكينى، فى تصرفات لا تتناسب مع هيبة وقدسية الأستاذ الجامعى، من منا لا يتذكر ما أثير بشأن «عنتيل» جامعة بنها، الذى مارس الرذيلة مع زميلاته، وعدد من الطالبات إما بالرضا أو تحت سيف التهديد والوعيد، أو النائب « الفتوة» الذى استباح حرم جامعة الفيوم.
ولم ينس المجتمع أيضا، تلك الأحضان الدافئة بين الطالب مناع وزميلته، فى ساحة كلية الحقوق بجامعة طنطا، أمام حشد كبير من الزملاء والأصدقاء.
وتماديا فى الوقاحة والانفلات الأخلاقى بين عدد من الطلاب، تجددت الدعوة للمرة الثانية لإقامة مهرجان «البوس» يوم 31 ديسمبر، فى ساحة كلية التجارة جامعة القاهرة، أعرق الجامعات المصرية.
الهزات ما زالت تتوالى على جامعة القاهرة منذ أن تولى رئاستها الدكتور محمد عثمان الخشت، خلفا للدكتور جابر نصار، فأصحاب تلك الدعوات المشبوهة أعلنوا تحديهم لإدارة الجامعة، ورفعوا شعارات «محدش هيقدر يمنعنا، إحنا هنرفع شعار إنهى 2017 ببوسة لأغلى حد عندك.. هنستناكوا يوم 31 ديسمبر الساعة 3 العصر بساحة كلية التجارة»، بل وتمادوا فى وقاحتهم واصفين من يعارضهم بأصحاب التفكير الرجعى.
جامعة القاهرة أيضا كانت على موعد مع الأزمات، ففى حفل مونديال الإذاعة والتليفزيون ظهرت المطربة شيما المعروفة إعلاميا باسم سونة نسبة لكليب خاص بها بفستان مثير يظهر ملابسها الداخلية، خلال تكريمها ضمن المكرمين فى الحفل.
وإذا كان هذا حال أعرق الجامعات المصرية، فليس غريبا أن تنتشر ظاهرة «البناطيل المقطعة» واللافتات الرومانسية بين الطلاب «الحبيبة» على شاكلة اللافتة التى قام بتعليقها طالب بجامعة الزقازيق التى كتب فيها «بحبك يا إيمان.. أنا عاشق يا حبيبتى ولا أريد إلا أن تكونى زوجتى.. حبيبك مهاب، وآخر رفع لافتة مكتوب عليها عبارة اعتذار لحبيبته « أنا آسف يا سلمى.. والله مليش غيرك.. بحبك».
الجامعات المصرية تحتاج إلى رؤية شاملة للتطوير محددة الأهداف وعودة الانضباط ومواجهة الانفلات الأخلاقى، من خلال الاستفادة من تجارب الآخرين الذين سبقونا فى هذا المجال لكى تقوم الجامعات بدورها المنشود باعتبارها عقل الأمة، والبوتقة التى تخرج منها الرؤى والأفكار التى تقود الأمة لتحقيق التنمية المستدامة.