الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لبيك يا زهرة المدائن

لبيك يا زهرة المدائن






ضغوط واتهامات تلاحق الرجل فى الداخل قبل الخارج، لم تدع أمامه أى خيارات غير إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية بإسرائيل إليها قريبا.
 مشكلات لا حصر لها تواجه الإدارة الأمريكية والرئيس الأمريكى نفسه «دونالد ترامب» على وجه التحديد فى الداخل تكاد تعصف بإدارته ومنصبه، ويكفيه أنه حتى لحظة كتابة هذه السطور لم يتمكن من السيطرة على مقاليد الأمور والحكم فى البيت الأبيض منذ توليه الرئاسة رسميا فى يناير 2017.
وجد نفسه فى مواجهة تراجع كبير فى النفوذ الأمريكى إقليميا ودوليا لصالح بروز كل من الصين وروسيا التى تمددت هى وإيران فى مناطق كثيرة، وفى النهاية فإن له أجندة سياسية عليه أن ينفذها.
تفحلت فى عهده للمرة الأولى بهذه القسوة قضية ربما تفضى إلى عزله من البيت الأبيض وربما إدانته بالخيانة، إذا ما طالته التحقيقات الجارية فى أروقة الكونجرس الأمريكى حول تعاونه ومستشاريه مع روسيا وتأثيرهم بشكل مباشر أو غير مباشر فى إنجاحه بالانتخابات الرئاسية.
تلك القضية التى تسببت حتى الآن فى فقد الرئيس الأمريكى «ترامب» لأقرب مستشاريه وإبعاد حتى ابنته إيفانكا وزوجها جارد كوشنر المستشارين الأقرب إليه عن البيت الأبيض.
 فوجئ ترامب مؤخرا باعترف مايكل فلين، مستشار الأمن القومى السابق له، الجمعة الماضية، بالكذب على مكتب التحقيق الاتحادى (إف.بي.آي) بشأن تواصله مع السفير الروسى فى الولايات المتحدة خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأقر «فلين» بذنبه أمام قاضٍ فى واشنطن، خلال جلسة عقدت بعد ظهر الجمعة.
فما هى تلك المعلومات التى تعهد الجنرال السابق بنقلها الى المحققين، وإلى أين سيذهب فى محاولته الإفلات من العقوبة والسجن، وهل سيتهم مباشرة مقربين من ترامب «كزوج ابنته وابنته»، أو حتى سيذهب إلى اتهام الرئيس ترامب نفسه؟
كلها أمور سببت صداعا فى رأس الرجل، فرأى أنه كى يفلت من كل هذه الملاحقات الداخلية، أن يصنع أزمة كبرى خارجية تُحدث حالة من الصدمة، فينشغل بها الرأى العام الأمريكى من جانب عملا بمبدأ «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وتلك فى العرف الأمريكى وفى نظر اللوبى اليهودى – الذى قرر ترامب مغازلته – أهم القضايا التى تستوجب الوقوف مع الرئيس الأمريكى للمضى قدما فيها!
 يضع «ترامب» بقراره هذا عملية السلام فى منطقة الشرق الأوسط كلها فوق رماد أسفله بركان غضب لن يستطيع مواجهته لا الغرب ولا الشرق ولا الدول العربية نفسها.
يقتل «ترامب» بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل، كل فرص السلام بالمنطقة، بل نزيد بأنه فى المستقبل القريب والبعيد سيزيد العداء، وستشتعل المنطقة والعالم بأعمال عنف وإرهاب لن تتمكن أى دولة من السيطرة عليه ولا أى مسئول مهما كان موقعه ونفوذه، بل يقدم لهم جميع المبررات التى يسوقونها لأنفسهم لقتل الأبرياء واستهداف المنشآت.
 نحن أمام رئيس ينفذ برنامجه الانتخابى «بحذافيره»، فهو نجح فى إيقاف تدفق اللاجئين وأعلن عداءه الصريح لإيران والاتفاق النووى، ووعد بالقضاء على داعش.
 ومن بين ما وعد، أن يسمح  لإسرائيل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، فوجد الوقت مناسبا فى ظل ربيع عربى – خُطط له بامتياز – قضى على استقرار الدول العربية وقدرتها فى الوقوف والتصدى أمام فكرة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وجد الفرصة سانحة مع وجود عراق تنهشه الطائفية مدمر الهوية، وسوريا التى مزقها الإرهاب، وليبيا الغارقة فى الفتن و«يمن» لم يعد سعيدا تسبب بمشاكله وتمدد النفوذ الإيرانى فى إرباك الحسابات الخليجية، ووجود إمارة قطر بتحالفاتها العدائية التى تنفذ أجندة فى غير صالح دول المنطقة.
إن الربيع الـ«دموى» خفف من قوة التأثير العربى، وقلل من مخزون القوى العربية والإسلامية، فمنحت لهذا القرار الذى حاول اتخاذه جورج بوش الابن من قبل، شرعية غير مسبوقة.
 إن قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم ولن يلقى أى ترحيب دولي، بل على العكس جُوبه برفض دولى على جميع المستويات بمجرد تسريبه، فأكثر دول العالم وأهمها أعلنت رفضه على المستوى الأوروبى والدولي..
فها هو رمز «المسيحية» فى العالم «الفاتيكان» يعلن رفضه نقل السفارة الأمريكية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بل يؤكد أنها خطوة ستشكل خطرا على الاستقرار والسلم فى العالم، وتعنى «حرفيا» موت حل الدولتين وموت عملية التسوية.
الرفض نفسه أعلنته الكنيسة المصرية، التى حذرت وبقوة من تداعيات الاعتراف الأمريكى وتعارضه مع كافة المواثيق الدولية ومن شأنه أن يشكل خطرا على استقرار الشرق الأوسط والعالم أجمع.
 الأزهر كذلك، وعلى أعلى مستوى رفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إذ أكد شيخ الأزهر أحمد الطيب أن مثل هكذا خطوة تفتح أبواب جهنم على الغرب قبل الشرق، وتؤجج مشاعر الغضب لدى جميع المسلمين، وتهدد السلام العالمي، وتعزز التوتر والانقسام والكراهية عبر العالم.
هى تحذيرات لا تنتهى لعلها تجد عقلا رشيدا يتصدى لتلك الخطوة التى ستهدد العالم، فإذا كنا نبحث عن السلام ونسعى إليه، فإن نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، خطوة فى عكس ذاك الاتجاه.
لقد اتصل ترامب، بالرؤساء والملوك أول أمس، ليس من أجل التشاور معهم حول تلك القضية، بل فقط من أجل إبلاغهم نيته التنفيذ والتصريح بذاك القرار، وجاء الرد واضحا من الرئيس عبد الفتاح السيسى «جافا» فى مضمونه وعناصره، داعما لثوابت مصر والمواثيق الدولية التى تقضى بحل عادل للقضية وإحلال السلام، وأن القدس هى عاصمة فلسطين.     
 رسالة الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، كانت واضحة لا لبس فيها،إذ أكد أهمية التعامل بحذر مع ملف القدس، خاصة فى ظل الوضعية القانونية والدينية والتاريخية للمدينة، وما يرتبط بها من حساسية ومكانة لدى مختلف الشعوب العربية والإسلامية.
 يدرك «السيسي» أن ملف القدس ينبغى فيه ضرورة الالتزام بالمرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة، فى إطار السعى للتوصل إلى تسوية نهائية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، توفر واقعًا جديدًا فى الشرق الأوسط تنعم فيه جميع شعوب المنطقة بالاستقرار والأمن والتنمية.
هى رسالة سلام أكد عليها الرئيس لعلها تجد أذانا مصغية، تدرك حجم المخاطر التى يمثلها مثل هكذا قرار سيشعل العالم ويدخل المنطقة بأكملها فى آتون حرب لا يعرف أحد مداها.