الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«مابتقفش على حد»!

«مابتقفش على حد»!






اطمئن ولا تنزعج أبدا عندما تسمع رئيسك يواجهك بعبارة «مبتقفش على حد»، ساعتها تأكد أن موهبتك تزعجه وتسبب له حالة توتر متصاعدة، لكن عليك أن تتعامل مع تلك العبارة باعتبارها معيارًا للتقييم، ساعتها تأكد أنك أمام شخص يتسم بالصفات التالية:
- محدودية الموهبة
- القبول بأن يكون لا رقم، أو رقم هامشى فى أى منظومة
- محدود الإمكانيات وتأخذه العزة بالإثم
- عاجز عن نقل خبراته لمرءوسيه
- مهتم بتسطيح الأمور إلى مستوى تفاهة أدائه

هذا الشخص منزعج ومتوتر دائم من التعامل مع الموهوبين
- مهتم بإكساب نفسه قدرات من التملق والتزييف والعصبية المصطنعة لعلها تعوض محدودية إمكانياته
- حاد التناقض مع ذاته لأنه فى الوقت الذى يكرر فيه استخدام تلك العبارة كأسلوب حياة فإن لديه قناعة بأن المنظومة التى يرأسها لا يمكن تسييرها إلا بوجوده على رأسها.
- مستمتع بالإقلال من شأن المحيطين به.
- قادر على خداع ذاته.
إذا صحت تلك المقولة التخريبية فإننا نكون قد ساهمنا فى إقرار دستور للفوضى واللا معايير تتمثل مواده فى:
- إهدار قيمة الخبرة
- إهدار معيار الكفاءة
- إنكار معانى الموهبة
- إنكار الإرادة الإلهية فى التمايز والاختلاف بين الأشخاص
- إنكار قيمة الاحترافية
- إهدار معانى الاجتهاد
- إهدار قيم العلم والتعلم
لو أن هذه العبارة صحيحة فإننا نكون بصدد إقرار علنى بقتل الأجيال، إقرار علنى بقتل الكوادر.
توقف وأعمل عقلك واستفت قلبك وإياك أن يستدرجك قائلوها من منعدمى الخبرة والكفاءة والموهبة إلى مساحة من الاستفزاز تشغلك وتعطلك عن تنمية موهبتك وقدراتك ومراكمة خبراتك، تجاهلهم باستعلاء حميد، لكن إذا اضطررت للدخول معهم فى مناظرة لتحليل عبارتهم السخيفة، فلتسق إليهم مايلى:
- الشركات العالمية لاتكف عن البحث عن الكفاءات وأصحاب الخبرات وتمنحم فى مقابلها مبالغ ضخمة.
- الاعتراف بهذه العبارة هو اعتراف قائلها بتفاهة العمل الذى يؤديه أو يرأسه وبالتالى هو اعتراف بتفاهته الشخصية
- العبارة السخيفة تخالف الآية الكريمة «قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لايعلمون»، الزمر: ٩
والسؤال هنا بغرض الاستنكار وليس الاستفسار
- العبارة السطحية تخالف الآية الكريمة «من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا» الأحزاب: ٢٣
وفى هذه الآية جاء النص الإلهى بتنكير كلمة الرجال بهدف التخصيص، ولو أن الإرادة الإلهية اتجهت للتعميم لتدخلت «ال» الاستغراقية على كلمة رجال.
- الرسول صلى الله عليه وسلم دعا ربه أن يعز الإسلام بأحد العمرين، فاستجاب له ربه وأعز الإسلام بعمر بن الخطاب
- العبارة السخيفة تخالف واقع التاريخ الذى خلد شخصيات عظيمة وروى أحداثاً مهمة تمحورت حول أشخاصهم
- وإليك المفاجأة أن هذه العبارة تعبر عن حالة استمتاع مرضية بالانسحاق الذاتى، كما تعبر عن انجذاب لحالة إخوانية (ولو بغير إدراك أو انخراط تنظيمى) والتى تتساوى فيها الأفراد بعد سحقهم وتحويلهم من أشخاص إلى شخوص.
المدهش أن من يردد هذه العبارة ويستخدمها دائما ما يكون غير قادر على الالتزام بأى معايير مؤسسية بل إنه يهدر أى معايير وضوابط وضعها سابقوه، لا لشىء سوى أن يثبت لنفسه أن من سبقه لم يكن مؤثراً ولذلك فإنه يتعمد تكريس حالة «اللا معايير» حتى لاينكشف حجمه وأداؤه المفتقد لأى موهبة أو مهنية أو احترافية.
وبرغم إصراره على فرض هذه المقولة كقاعدة ثابتة فإنك تجده مستهدفا لعدد محدود جدا من مرءوسيه ويحملهم أعباء العمل كاملة وهو يعلم أنهم متميزون عن أقرانهم وقادرون على الإنجاز الدقيق فى الوقت القياسى.
لكن خطورة هذا الشخص تتمثل فى كونه فى كثير من الحالات يستمتع بتهميش الموهوبين المحترفين حتى لاتنكشف ضالة موهبته، ولايكتفى بذلك بل ينفذ خطة ممنهجة لتصعيد محدودى الموهبة لإشباع ذاته المحاطة بحالة من الدونية المهنية.
هذا الشخص لا يكتفى بذلك فحسب بل يعمد إلى تشويه الموهوبين المجتهدين ليسبغ عليهم أوصافاً كالتعالى والغرور وتضخم الذات.
لكن عليك ألا تجزع أمام الاستخدام المتكرر لهذه العبارة، واعلم أن الموهبة حتما قادرة على فرض نفسها، تأكد أن إخلاصك واجتهادك سيمنحانك أسرار مهنتك، كن على ثقة أن موهبتك وإدراكك لعوامل تميزك هما منحة إلهية عليك أن تحافظ عليها.
اعلم أنه فى الوقت الذى تطاردك فيه هذه المقولة فإن مواهب جديدة ناشئة من حولك تراك جيدا وتدركك وترصد نجاحك فلا تكن أبدا سببا فى احباطها المبكر، بل ناضل فى هدوء من أجل موهبتك التى حتما ستتدفق حول منعدمى الموهبة والاحترافية والاجتهاد.
فى كل مرة تسمع فيها هذه العبارة استقبلها بابتسامة وانظر إلى عين قائلها بعمق ورد عليه فى قرارة نفسك وبصوت غير مسموع «نعم إنها فعلا لا تقف على أمثالك من المسطحين وعديمى الموهبة».
لا تجزع ولا تدخل فى مهاترات مع من يردد هذه العبارة، بل عليك أن تشفق عليه فهو فى كثير من الأحيان يستخدم تلك العبارة لتصبير ذاته بعدما اكتشف أن كل من حوله قد اكتشفوا فشله وانعدام موهبته، وبالتالى فهو مضطر لاستخدام تلك العبارة بمنهجية لا إرادية اعتقادا منه أنها ستنجح فى تقليص وتحجيم المحيطين به فتمنحه حالة من الرضاء الوهمى، وتمنحه قدرة على الاستمرار أكبر وقت ممكن فى مساحات فشله الذاتى التى يحاول سحب كل من يفوقه فى الموهبة إليها ليمارس عليه سلطات منعدمى الموهبة.
وهناك نوع أكثر خطورة من مستخدمى تلك العبارة وهو ذلك الذى تأخذه العزة بالإثم بعد أن قرر تمثيل دور الكبير ليس من خلال التصرف بتصرفات الكبار وسلوكهم بل من خلال الإقلال والتصغير لكل من حوله ممن هم أدنى منه فى المرتبة الإدارية لكنهم يفوقونه موهبة ومقدرة على العمل الجاد، هو طوال الوقت منشغل بأن يضع أصحاب المواهب تحت ضغط عصبيته وانتقاداته فى محاولة لتحجيمهم فى مساحات مشابهة لمساحة موهبته المنعدمة وقدراته المحدودة، هذا النوع تجنب الدخول معه فى صدامات مباشرة ليس اتقاء لشره بل حفاظا على أكبر قدر من المساحة التى اكتسبتها بفضل موهبتك الممنوحة إلهيا، هذا النوع اتركه يغرق فى أوهام عزته الآثمة، ليس خوفا من مردود أفعاله بل لتفويت الفرصة عليه فى تمكين منعدمى الموهبة أمثاله من احتلال أماكن ومساحات لا يستحقونها، وبالتالى تكون قد ساعدته فى إثبات صحة نظريته الوهمية.
فى كل الأحوال إياك أن تستسلم لتلك المقولة، إياك أن تسمح باغتيال نفسك معنويا، إياك أن تشارك ولو بالصمت فى ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية.
بعد كل هذا الجدل لمحاولة إثبات بطلان هذه المقولة الوهمية التى لا يروجها ولا يعتنقها إلا المسطحون والمستمتعون بالانسحاق، يأتى دورك لتبرهن على هذا البطلان بشكل عملى، إذا كنت تؤمن بموهبتك وتملك أدواتها وتسيطر عليها فإن الضمير المهنى يحتم عليك أن تنقل إلى الأجيال التى ستليك مفاتيح موهبتك، أن تنقل إليهم جانباً من موهبتك، أن تساهم فى تمكينهم من معرفة مواطن موهبتهم، أن تصر على تمكينهم من تصدر المشهد الاحترافى، لا يزاحمهم فيه أنصاف الموهوبين ليعيدوا تكرار نفس المقولة وتحويلها لنظرية.