الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
موعد على العزاء!

موعد على العزاء!






فى عزاء الكاتب الراحل وأحد أبرز رموز اليسار المصرى «صلاح عيسى» - رحمه الله - ربما تكون قد تجمعت عناصر النخبة المصرية بجميع اتجاهاتها وتياراتها الفكرية والسياسية، العزاء تحول لملتقى للأحاديث والنقاشات الجانبية التى لم تتوقف إنصاتا للتلاوة الحكيمة، النقاشات انصبت على تقييم أوضاع البلاد سياسيا واقتصاديا رغم أن أصحابها غالبا لا يلتقون إلا فى العزاءات بعدما تفوقت قدرتهم على التجمع حول الموت على قدرتهم على الالتفاف حول الحياة!
ليس من قبيل الصدفة أن غالبية الحاضرين هم ممن ينسبون أنفسهم لما يصرون على تسميته بثورة يناير التى يستخدمونها لممارسة حالة ممنهجة من العنصرية الثورية للإقصاء أو التقريب وفقا لمزاجاتهم ومقاساتهم، فإذا كانوا يعيبون على نظام مبارك ما يسمى بظاهرة «ترزية القوانين» فإن لهم الفضل فى براءة اختراع «ترزية الثورات»!
مثلهم كمن قرر قيادة مركبة ضخمة ثم تركها فى نهر الطريق فجأة تعيق حركة مرور الدولة، ولما يأتى من يعيد تدويرها لإماطة أذاها عن طريق الوطن انهالوا عليه باللعنات، كما لو كان قد اعتدى على ملكية خاصة بهم!

بعد مرور ما يقرب من نصف الوقت المحدد للعزاء دخل الإخوانى المفرج عنه «أبوالعلا ماضى» ليحاط سريعا بعدد لا بأس به من رموز هذه النخبة السياسية والثقافية كما لو كانت هناك حالة لا إرادية للقائه انصياعا لحالة عامة لدى النخبة يمكن تسميتها بـ«الحنين إلى الإخوان».
 وهى ليست بجديدة على هذه النخبة التى لم تكن لها وظيفة منذ عام ٢٠٠٤ تحديدا إلا أن تكون مستخدمة طوعا وكرها لفتح ثغرة فى جسد المجتمع وفى عقل المواطن لتمرير التنظيم الإخوانى إلى قلب الوطن.. تلك هى النخبة التى تم استخدامها لخداع المواطن وتقديم جماعة الإخوان له باعتبارها ما يلى:
- جماعة مدنية.
- جماعة سلمية.
- جماعة تقبل بالآخر.
- جماعة وطنية.
- جماعة تؤمن بالثقافة والفنون
- جماعة انفصلت فكريا وحركيا عن باقى تنظيمات الإرهاب.
هكذا قدمت النخبة جماعة الإخوان للمواطن المصرى دون أدنى عناء من الجماعة، ثم قدمت مصر هدية للجماعة، والآن عادت إلى سيرتها الأولى بعدما أدمنت على أن تكون مطية لهذا التنظيم.
على مدار سبع سنوات متتالية شهدت مصر رحيل نظام مبارك الذى كانت النخبة تتذرع بوجوده كأداة لتغييبها وإقصائها ولما رحل هذا النظام سلمت نفسها للتنظيم الإخوانى، وانطلقت نحو المجلس العسكرى تمارس عليه نظرياتها وتنظيراتها تاركة هذا التنظيم يتدفق حول الدولة المصرية ويخطو خطوات الانقضاض على الوطن بثبات واطمئنان، وراحت هذه النخبة تستعرض تقييماتها السياسية للمجلس الذى لم يكن يمارس السياسة وإنما كان يمارس مهمة لإنقاذ الوطن وإنقاذ وجود الدولة، ثم التفت حول مرشح التنظيم تدعمه وتروج له فى مواجهة الدولة المصرية، رغم أن نفس هذا التنظيم كان قد مارس ضدها الإقصاء المبكر خلال الانتخابات البرلمانية التى استولى عليها التنظيم مكررا تجربة انتخابات ٢٠١٠ التى زعمت النخبة أنها كانت أحد أهم أسباب خروجها فى يناير ٢٠١١، فإذا كانت هذه النخبة قد عابت على مبارك عبارة «خليهم يتسلوا»، فإنها فى نفس الوقت وجهت حديثها إلى الشعب المصرى الذى سلمته للإخوان تحت شعار معلن «خليهم يستولوا»!
بعد ذلك نجح المرشح الإخوانى الذى حكم عليه بالتخابر والتجسس لتترك النخبة وطنها وشعبها مستباحة من العصابة التى عربدت فى البلاد دون أن تقيم وزنا لهذه النخبة، إلى أن وصلت لحد إعلانها غير الدستورى الذى ألغت فيه مقومات الدولة ومؤسسيتها دون أى اعتبار لرد فعل من النخبة المتورطة أساسا منذ البداية  فى تسليم الدولة قسرا وعمدا لهذا التنظيم.
وقتها خرج الشعب المصرى موجها نداءه المباشر إلى جيشه، وقد بنى نداءه على ما يلى:
- النخبة لا تسمن ولا تغنى من جوع.
- الجيش هو قاعدة الوطنية الصلبة والأمين على هذه الدولة
- الجيش منح الجميع جميع الفرص المتاحة
- إرهاب وجرائم التنظيم العصابى الإخوانى تحتاج لقوة ردع.
- لقد نفد رصيد النخبة تماما لدى المواطن ولم تعد محل ثقته.
وتواصلت النداءات وتعالت الصيحات وصولا إلى مشهد الثالث من يوليو عام ٢٠١٣ الذى سارعت فيه النخبة لأن تلحق بركب شعبها وجيشها لتنجو، وبفضل قوة الجيش وشعبه أتيحت الفرصة الثانية للنخبة لأن تتقدم الصفوف لكنها أثرت حالة التمركز حول الفراغ وظلت عازفة وعاجزة عن حمل أمانة المسئولية كما لو كانت المساحات يمكن أن تترك خالية فى وجدان وعقول الشعوب.
لم تلبث أن تمر السنة الأولى لحكم الرئيس «السيسى» حتى عادت تلك النخبة للعودة للمشهد لتعيد تكريس منظومة اللاوعى الممنهجة بعنوان «سنظل نعرف ما لا نريد ولكننا أبدا لن نعرف ما الذى نريد».. ليدخل المواطن مرة أخرى فى دوامة الحيرة واليأس والإحباط، ويتم دفعه نحو السخط على من يحاول إخراجه من هذه المنظومة دون تمكينه من محاسبة من تسبب فى بناء هذه المنظومة وتوريطه فى تفاصيلها.
الآن تحل الفرصة الثالثة المتاحة لتلك النخبة مع قرب موعد استحقاق دستورى لانتخابات رئاسية جديدة، وهى الفرصة التى يمكن أن تكون محاطة بمعطيات تصب جميعها فى صالح تلك النخبة والتى يمكن استعراضها من خلال ما يلى:
- تعرض التنظيم الإخوانى لضربات أمنية وقانونية تعجزه عن المشاركة الفعالة.
- إمكانية الالتفاف حول مرشح مدنى جديد
- ما يتم ترويجه عن تراجع شعبية الرئيس الحالى.
- إعلان شخصيات تحسب نفسها على النخبة وعلى التيارات الليبرالية والمدنية عن عزمها للترشح.
ليفرض السؤال الجوهرى نفسه أين النخبة من تلك المعطيات؟ ومتى ستبذل مجهودا لاستغلال الفرص المتاحة؟ متى ستبدأ النضال من أجل تسليمه لأجيال جديدة لنخبة شابة؟! وهل أساسا تؤمن النخبة بذلك؟ هل تُمارس دورا لتربية أجيال وبناء وعيها؟
وهل تؤمن النخبة بهذا المعنى كقيمة لخلق مجموعات قادرة على ضرب المثل والقدوة، أم كوسيلة للحصول على مكاسب من فيض عطاءات السلطة القائمة؟!
إلى متى ستظل هذه النخبة على قوائم الانتظار بإرادتها أملا فى مكالمة هاتفية أو موعد للقاء من أحد المسئولين بالدولة أو أجهزتها؟!
تأكيدا لنظرية النخبة المستمتعة بالتواجد على قوائم انتظار عطف السلطة القائمة - أى سلطة - فقد كررت رموز هذه النخبة نفس سلوكها الاستجدائى فى زمن قصير عندما اجتمعت مرة أخرى فى عزاء الراحل إبراهيم نافع أحد أهم وأشهر رجالات مبارك، حتى أن الناشط جورج إسحق تصدر السرادق بعدما دخل وهو يتلفت من حوله أملا فى أن يلمحه أحد المسئولين ويدعوه للجلوس بجواره حتى وجد ضالته فى عمرو موسى فلزم المقعد المجاور له عله يستمتع بقدر من شذى رائحة الدولة، بينما مجموعات أخرى من تلك النخبة التفت حول الفريق سامى عنان ربما تستشف من همساته أو إيماءاته نية مبيتة للترشح فأرادت أن تثبت حضورا مبكرا من حوله، وهى نفسها التى استنفرت وهمت نحو جمال مبارك الذى دخل العزاء إلا أن مخزون الشعارات الثورية بداخلهم وتخوفهم من التقاط صورهم أو مقاطع فيديو لهم أدت إلى التصاقهم بمقاعدهم!
والآن أعود بكم قليلا إلى الوراء عندما عندما عاد محمد البرادعى إلى البلاد، وقتها أحاطته تلك النخبة بهالة سياسية وإعلامية ضخمة والتفت من حوله التفافا لصيقا، وأخذت تضخم فى أسطورته.. وهو سلوك يمكن تحليل مدلولاته فيما يلى:
- النخبة بكل رموز تياراتها المختلفة لم تجد بعد كل هذه السنوات من داخلها من يصلح أن يكون قائدا لمشروع زعمت لسنين أنه يصلح لإدارة دولة.
- النخبة المزعومة اتفقت صراحة وضمنا أن القادم المستورد المتعثرة لغته العربية هو أدرى منهم بأحوال وطن غاب عنه لسنوات طويلة رغم أنهم قضوا أعمارهم على أرضه.
- النخبة قررت أن تختار من ظنت أنه مدعوم دوليا ومن أطراف خارجية فى الوقت الذى كانت تتحدث فيه عن القومية والاستقلالية.
- النخبة ارتضت أن تتحالف علنا مع جماعة الإخوان تحت مظلة ما سمى بالجمعية الوطنية للتغيير اعترافا منها بانعدام تأثيرها على المجتمع فقررت أن تتحالف مع هذا التنظيم الإرهابى رغم يقينها بالسلوك الاستيلائى والاستعلائى لهذا التنظيم، فإما أنها كانت تقبل مستقبلا بالخدمة فى بلاط التنظيم، وأما أنها متورطة مع هذا التنظيم فيما هو موثق بخزائن مكتب الإرشاد.
لكن محمد البرادعى كان قد وصل إلى حقيقة هذه النخبة سريعا فاستخف بها وأصبح منشغلا بتكتيكات الهروب منها، حتى أنه وصفهم بالزبالين والحمير فى مكالمة تليفونية سربت له ومازالت متاحة على مواقع التواصل.
ثم دعونا نتساءل هل النخبة التى خرجت منذ يناير 2011 تنادى بتمكين الشباب هل هى تؤمن حقا بتواصل الأجيال؟ هل تؤمن بحق الشباب فى أن يأخذ فرصته بعد فشلها فى تحقيق أى مشروع وطنى يمكن البناء عليه؟ هل تؤمن بتداول الحالة النخبوية كما تزايد بمفهوم تداول السلطة على أى نظام قائم؟ متى ستحيل نفسها إلى المعاش بعدما فشلت فى تجديد نفسها وبعدما تجاوزها الواقع والزمن؟
إذن نحن أمام فرض وطنى حال بضرورة تجديد هذه النخبة للحيلولة دون تكرار الجريمة التى طالما ارتكبتها النخبة منتهية الصلاحية لتفريغها عمدا لمساحات مجتمعية ثم تمكين تنظيم الإخوان الإرهابى لاحتلالها، بعد تسبب هذه النخبة فى إحباط أجيال من الشباب التفت حولها ثم اكتشفت سلوكيات تنافى ما يتم استخدامه من شعارات، أو ضبطتها متلبسة بالتربح من حالة الاستنخاب المصطنعة، أو ربما رصدت تواصلا لها مع مكتب الإرشاد، أو منحة من النظام أو أحد أجهزته.
على ما تقدم.. هل ستسمح هذه النخبة لأجيال شابة أن تتقدم الصفوف بعد أن أثبتت فشلها لعقود طويلة؟ هل ستسمح نخبة الفرص الضائعة لهذه الأجيال أن تجد فرصتها فى استلام وطنها وحجز أماكنها فى مستقبله؟ أم أن هذه النخبة ستعرقل تلك الأجيال حتى لا تنكشف عورتها السياسية؟!
هل تدرك هذه النخبة أن الحركة السياسية والفعل الثورى الذى بدأ فى شتاء يناير ٢٠١١ كان ضد حالة هى جزء أصيل منها؟ هل يمكن لهذه النخبة أن تجاهر بعلاقتها الخفية بعدد من رجال الأعمال ممن استخدموهم لمراوغة وابتزاز الدولة وتوتير أعصابها؟.
إذا أمام هذه المعضلة فإن الحديث عن حتمية تجديد هذه النخبة يفرض نفسه كجزء من مشروع قومى لبناء دولة ديمقراطية حديثة، تكون فيها هذه النخبة معبرة عن تيارات فكرية وثقافية وسياسية فاعلة ومؤثرة تساهم فى خلق حالة تنافسية وطنية تؤدى إلى حالة نضوج عامة، بعيدا عن حالة الشللية التى قضى أعضاؤها أعمارهم بالكامل مستخدمين من رجال السلطة القائمة أو منتظرين لفرصة استخدام يتفضل بها النظام عليهم حتى أنهم وصلوا أحيانا إلى مرحلة استخدام بعضهم ضد البعض الآخر.
إن تجديد هذه النخبة هو أمر حتمى بديهى لبناء الدولة لا لتقويضها، هو حق للأجيال وليست منحة من أى نظام، هو مشاركة فاعلة فى صياغة المستقبل وليس انتظارا لإشارة أو نداء من طرف خفى من داخل أروقة الدولة للاستخدام والتشغيل.
تجديد النخبة هو أمر حتمى للاعتبارات التالية:
- خلق الأمل لدى الأجيال الناشئة فى امتلاك حاضرهم وبناء مستقبلهم.
- عدم ترك المساحات الاجتماعية والفكرية خالية لجماعات الظلام لإعادة احتلالها.
- تقديم الدليل العملى على إمكانية قيام دولة مدنية تقوم على التعددية المرتكزة على برامج عملية وليست شعارات نظرية.
- خلق حالة ندية مؤسسية تفرض رقابة مجتمعية وسياسية على الأنظمة والحكومات تؤدى لضغوطات حميدة حتما ستولد استجابات وإبداعات جديدة.
وأخيرا إلى شيوخ النخبة نقول «استقيلوا يرحمكم الله»!