الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
السيسى.. رَِجُل إفريقيا الوفى

السيسى.. رَِجُل إفريقيا الوفى






فى غمرة انشغاله بقضايا الوطن امتد بصر الرئيس «عبدالفتاح السيسى» نحو أعماق الأمن القومى المصرى، هناك حيث امتدادات الأمن الإقليمى المصرى من منابعها الأصيلة فى القارة السمراء..  ببصيرة وطنيته أدرك الرجل أن معطيات الأمن القومى المصرى حتما تتدفق مع مياه النهر الهادرة إلى أرجاء الأرض المصرية الطيبة.
ببصيرته النافذة التقط «السيسى» بقايا خيوط ناصرية قديمة التفت بدفئها حول القارة الإفريقية فربطتها بمركز التنوير والثقافة والحضارة بقاهرة المعز، لكن يبدو أن عوامل الزمن قد أحدثت تآكلا فى بعض مواضع شبكة العطاء المصرية وربما تعقيدات فى مواضع أخرى.. لم يلبث الرجل أن التقط طرف الخيط التاريخى مقررًا إعادة الغزل السياسى بعد أن نقضته عوامل الزمن والإهمال، لكن عملية الترميم تحتاج إلى الصبر والحكمة.

رجل إفريقيا القوى سرعان ما قبض على طرف الخيط وقرر ألا يتركه أبدًا ثم انطلق بقلب وعقل الدولة المصرية نحو القارة السمراء، وباعتزاز المصرى وكبريائه المتواضع حدد ملامح السياسة المصرية نحو إفريقيا بأركانها التالية:
- مصر لا تستعلى أبدًا على أشقائها فى إفريقيا.
- مصر ملتزمة التزاماً أدبياً بعدم التخلى عن إفريقيا.
- مصر لا يمكن أن تكون مصدرا لإيذاء أو تهديد دول إفريقيا.
- مصر تدرك حدود أمنها القومى فى إفريقيا.
- مصر تؤمن بالعيش المشترك والمصالح المتبادلة مع دول إفريقيا.
- مصر لديها الكثير تقدمه لإفريقيا.
بهذه المبادئ بادر «السيسى» بمد الأيادى المصرية نحو إفريقيا، فمنذ توليه المنصب الرئاسى والرجل منشغل بإعادة رسم وتمهيد طريق العودة المصرية إلى قلب وأطراف القارة الإفريقية، السيسى ينتهج سياسة واضحة نحو إفريقيا لا تعرف العشوائية ولا المرحلية المؤقتة ولا الفردية السياسية، السيسى يبنى شبكة علاقات إفريقية من أجل التنمية والشراكة الاستراتيجية المستدامة.
 لقد بدأ السيسى حركته نحو إفريقيا من خلال مسارين متوازيين، الأول إثبات حسن النوايا المصرية، والثانى كشف مخططات الوقيعة بين مصر وأشقائها الأفارقة.
رجل إفريقيا الأول الذى يدرك قيمة إفريقيا كما أبىّ أن تكون مصر مصدرا لتهديد إفريقيا، رفض أن تكون القارة العريقة مستباحة أو أداة مستخدمة من أطراف إقليمية لتهديد الأمن القومى المصرى تحت وطأة  العوز أو الحاجة، السيسى غلبت إنسانيته على سياسته فقرر أن يكون حارسا أمينا لصون الكرامة الإفريقية.
عام ٢٠١٤ اتجه السيسى مباشرة إلى غينيا ليبدأ أولى خطوات ترميم العلاقات باستخدام مسار الزراعة فى القارة الإفريقية كوسيلة لتحقيق النمو الإفريقى الشامل، ثم اتجه عقب ذلك إلى السودان فى زيارة خاطفة استغرقت ساعات محدودة ليقدم دلائل وبوادر النوايا المصرية الطيبة.
واستكمل بعد ذلك طريقه إلى إثيوبيا فى ثلاث زيارات خلال نفس العام  ثم مارس ٢٠١٥ وصولا إلى يناير ٢٠١٦ لتصحيح المسار وإزالة شوائب التخريب الدبلوماسى الإخوانى والإقليمى بين الشقيقتين، ثم واصل مشوار البناء الإفريقى متجها نحو شرق إفريقيا حيث الأشقاء وأصحاب المصير المشترك فى كينيا وأوغندا.
 حركة الرجل نحو إفريقيا لم تتوقف أبداً بعدما حجز ملف العلاقات المصرية الإفريقية موقعا مهما فى ذهنية ووجدان السيسى، فحرص على إعادة البناء المتين انطلاقاً من الثوابت التالية:
- واقع الجغرافيا يفرض اندماجاً وثيقاً للأمن القومى المصرى والإفريقى.
- مصر لديها الكثير تقدمه لإفريقيا.
- مصر ملتزمة التزاماً أدبياً نحو القارة السمراء.
- رصيد العلاقات التاريخية يتيح فرصة ممكنة لإعادة البناء.
- مصر لا تستخدم إفريقيا تحت وطأة الحاجة .
-العلاقات مع إفريقيا تمثل أولوية للسياسة الخارجية المصرية.
- إفريقيا بحاجة إلى أزهر مصر غربا وإلى كنيستها الوطنية شرقا.
- مصر لديها رصيد هائل من القوى الناعمة تحتاجه إفريقيا.
- مصر ضامن دولى وإقليمى ومصدر طمأنينة لالتزامات إفريقية متعددة.
- مصر تملك رؤية للشراكة من أجل التنمية.
هذه الثوابت القائمة جميعها على أساس قوى من مبادرة بالعطاء المصرى يدير عبدالفتاح السيسى ملف علاقاته مع إفريقيا.
منذ اللحظة الأولى وجه السيسى بوصلته متعددة الأقطاب نحو إفريقيا، لتسير الخطوات المصرية على هدى من متطلبات ومستهدفات سياستها الخارجية نحو القارة السمراء، منذ اللحظة الأولى كان مدركا لما يمكن أن يقدمه ولما يريد وفقا لما هو متاح.
ومن منطلق إعلاء شأن انتماء مصرالإفريقى قسم الرجل اتجاهات حركته القارية وفقا لقطاعات الجغرافيا المتمثلة فى:
- منطقة القرن الإفريقى
- شرق إفريقيا
- دول حوض النيل
- دول وسط إفريقيا
- منطقة الجنوب الإفريقى
- دول غرب إفريقيا
 لك أن تتخيل حجم الحركة والمجهود الدبلوماسى لصياغة وتنفيذ سياسة مصرية رشيدة للشراكة والتنمية خاصة عقب تجميد عضوية مصر فى الاتحاد الإفريقى بعد ثورة ٣٠ يونيو، لك أن تتخيل جسامة المسئولية لتحويل الحالة من وضعية التجميد وصولاً إلى الإجماع على قيادة مصر للاتحاد الإفريقى حتى عام ٢٠١٩، كدليل دامغ على مؤسسية ومصداقية الحركة المصرية نحو إفريقيا منذ الوهلة الأولى.
عند السودان نتوقف قليلاً أمام البوابة الرئيسية لحدود الأمن القومى المصرى الجنوبى، عند السودان تحديدا تعلى الروابط الإنسانية من قيمة المصير المشترك الذى تجد ملامحه بوضوح، إذا قررت أن تتجول فى شوارع القاهرة الخديوية فتجد أبناء البلد الطيب يقيمون فى حالة سلام كاملة على الأرض الطيبة، امتدادات الحالة تجرى مع مياه النيل العظيمة مدموغة بخاتمها النوبى الأصيل.
وفِى أزمة السودان وقفت مصر تدافع عنه فى اجتماعات لجنة حقوق الإنسان فى جنيف عندما قدم المندوب المصرى، بيانا أكد فيه أن السودان يشهد تطوراً كبيراً فى مجال حقوق الإنسان، وأصر على أن تكون مصر محاميا للسودان أمام العالم.
 فى ظل هذا الرباط المقدس ظهرت أطراف إقليمية لا تعرف أخلاقا ولا مبادئ حاولت اختراق النسيج القوى وبذلت أموالاً وجهوداً لتعقيد خيوطه، لكن صبر وحكمة عبدالفتاح السيسى عكفت على تفكيك هذه التعقيدات ليعود النسيج إلى سيرته الأولى ناصع البياض.
بعد ذلك نتجه إلى إثيوبيا والتى بدأ السيسى خطواته نحوها حاملا مشروعا للتعايش والتنمية المشتركة ولحقوق الشعبين فى النهضة التى لا يمكن تحول دونها سدود.
السيسى تحرك نحو الأزمة معليا الحق فى الحياة فوق كل اعتبار لكنه لم ينكر أبدا حق الشعب الإثيوبى فى التنمية، وارتكازا على هذه الثوابت قرر تقنين الوضع القائم فوقع اتفاقية وثيقة سد النهضة لإثبات الحقوق والالتزامات والتوقيتات الزمنية، ومنذ هذه اللحظة لم يتغير الموقف المصرى سراً أو علانية برغم تسلل نفس الأطراف الإقليمية لجانب من تفاصيل الملف.
بنفس الدبلوماسية اللاأخلاقية التى احترفت تلك الأطراف ممارستها معتقدة أنها يمكن أن تحرم مصر من قطرة مياه واحدة أو أنها ممكن أن تظل تستخدم مصير الشعب الإثيوبى أداة لأغراضها الخبيثة.
منذ تولى السيسى مسئولية  قيادة الوطن لم تفقد مصر قطرة مياه واحدة وفِى نفس الوقت لم يصدر عنها تصريحاً استعلائياً أو عدائياً واحداً تجاه إثيوبيا، كما لم يصدر عنها مايمكن أن يفهم أنه تفريط فى الحق المصرى فى أى مرحلة أو مايمكن أن يفهم أنه إنكار لطموح وحق إثيوبى فى التنمية، بل إن مصر أبدت استعدادا لتكون شريكاً ومساهماً فى هذه التنمية.
وصولاً إلى عام ٢٠١٨ حطت طائرة السيسى على أرض إثيوبيا وقتها سارع الرجل بالاجتماع بقادة دولتى السودان وإثيوبيا اجتماعا مطولا خرج بعدها الزعماء الثلاثة متشابكى الأيدى فى حالة توحد معلنة صاغها وقادها عبدالفتاح السيسى الذى وجه رسالة سلام تحت عنوان «اطمئنوا».
السيسى خرج من قمته الثلاثية باعثا لحالة من السلام النفسى الدبلوماسى، مؤكدا أن مصر لايمكنها إلا أن تكون دولة لا تتعامل إلا على مستوى الدول المناظرة لنفس مستوى المسئولية.
القمة الناجحة انتهت بتشكيل لجنة عليا لحل الأزمة، حتما ستنتهى بأن تكون مصالح الدول الثلاث هى العليا وكلمة الذين تآمروا هى السفلى، التاريخ سيذكر السيسى صاحبا لبراءة اختراع «علم نفس الدبلوماسية الرشيدة».