الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حكاية بطل «1».. الثائر على الثورة

حكاية بطل «1».. الثائر على الثورة






صباح ٨ يونيو عام ٢٠١٤ وصل المرشح الفائز «عبدالفتاح السيسى» إلى مقر المحكمة الدستورية العليا انتظارا للإذن بحلف اليمين للبدء فى مباشرة عمله رئيساً للبلاد لفترة رئاسية أولى مدتها أربع سنوات، وقتها بدأ المشهد بكلمة المستشار «ماهر سامى» نائب رئيس المحكمة التى ذكر خلالها كلمة سابقة للمستشار الراحل «د.عوض المر» الذى تحمل قاعة حلف اليمين اسمه وكان نصها: «إذا لم توفق الثورة أوضاعها مع المفاهيم والقيم الدستورية عبر أطر دستورية ثابتة وكانت تعبيرا عن نشاطها ومناهجها فى توحشها من خلال السلطة التى تستبد به وبنقض ما توقعه الشعب منها، فإن طاعتها لا تكون واجبة عليها ويكون له الحق فى التمرد عليها وعصيانها وإزاحتها من مقاعد السلطة، تلك هى الثورة على الثورة».

ثم عقب المستشار ماهر سامى على هذه الكلمة العميقة مؤكدا أن ٣٠ يونيو نموذج حى يجسد مقولة الراحل الكريم، وبعدها واصل حديثه فى اتجاه عبد الفتاح السيسى ليعيد التذكير باحتضان الجيش للشعب وتوحده مع نبض المصريين وانصهر الاثنان فى سبيكة واقية تزيح كل أنظمة القهر والاستبداد.

بهذه الكلمات استقبلت المحكمة الدستورية الرئيس الثائر على الثورة التى ضلت طريقها وكادت أن تعصف بالوطن.. السيسى كان يومها فى بهو المحكمة خاضعا لدولة القانون على مرأى ومسمع من جموع العالم، كانت هذه اللحظة فارقة فى عمر الوطن الذى يشهد استلاماً وتسلماً للسلطة، ورئيساً محمولاً على قاعدته الثورية التى جاء بها إلى هيئة المحكمة لإعادة صياغتها قانونيا ودستوريا.
منذ اللحظة الأولى لحكمه، قرر الرجل تقنين أوضاع هذه الثورة المجيدة للحيلولة دون انحرافها عن مسار الدولة، منذ اللحظة الأولى وهو مدرك أن الفعل الثورى هو وسيلة فرضت نفسها لإنقاذ الدولة ، ولا يمكن الاستمرار فى ممارسته برغم أن شعاراته تلهم الشعوب وقد تتيح له مساحات من المناورات الوهمية لفترات طويلة.
على باب المحكمة خلع السيسى رداءه الثورى وقرر الخضوع لدولة القانون والدستور.. وفى مساء ذات اليوم وفى قصر القبة وقف الرئيس الذى كان قد انتهى من حلف اليمين مخاطبا المصريين، ولنتوقف كثيرا عند هذا الخطاب الذى عرض السيسى خلاله بوضوح وبعبارات مباشرة محاور استراتيجية حكمه وأوضاع الدولة التى يمكن عرضها فيما يلى:
■  دولتنا مدنية وحكمها مدنى
■ الحفاظ على الهوية المصرية وطبائعها الثقافية
■ العقد الاجتماعى للدولة التزاما على الطرفين الممثلين فى الرئيس ومؤسسات الدولة طرف والشعب كطرف ثان
■ بث الأمن فى ربوع البلاد
■ بناء اقتصاد عملاق ومشروعات ضخمة
■ صيانة المنظومة القيمية والأخلاقية
■  الحفاظ على الجيش وطنيا موحدا لا يؤمن سوى بعقيدة الدولة
■ لا هروب من ميدان القتال
■ لا تعاون ولا مهادنة مع من يلجأ للعنف
■ للتعاون ولا مهادنة مع من يريدون دولة بلا هيبة
■ تطوير جهاز الشرطة
■ تجديد الخطاب الدينى
■ عدم السماح بخلق قيادة موازية تنازع الدولة سيادتها
■ لا تهاون مع الفاسدين
■ تطبيق مفهوم المواطنة
■ الأمن القومى العربى خط أحمر
ثم عرض أوضاع الدولة على النحو التالى:
■ عرض تفصيلى لأوضاع الدولة المصرية المتمثلة فى ديون داخلية وخارجية متراكمة، عجز ضخم فى موازنة الدولة، بطالة متفشية، سياحة متوقفة، ونقص حاد فى موارد الدولة، نزيف فى الاحتياطى النقدى والعملات الصعبة، نقص حاد فى موارد الطاقة، تهديد للأمن القومى محيط بحدود الدولة
■ حالة استقطاب دينى حاد
■ حالة تجريف سياسى
■ دعاوى تكفير تطلق فى كل مكان
توقف كثيرا عند هذه المحاور، ثم حاول تحليل حركة الرجل وسلوكه الرئاسى ستجد التزاما مدهشا بما قال ووعد.
ثم توقف عند يوم ٢٤ يونيو - أى عقب توليه الحكم بأيام قليلة - عندما وقف فى حفل تخريج الكلية الحربية وأعلن امام المصريين تنازله عن نصف راتبه ونصف ميراثه وما يملكه، ثم واصل الرجل محاولاته لتقديم براهين متعددة على صدق مشاعره وكلامه تجاه مصر فأصر على أن يكون مشهد تبرعه لصندوق تحيا مصر معلنا، خلال هذا المشهد المتاح إلكترونيا تحدث الرئيس لموظفى البنك الذين أحاطوا به وتساءل: هل تبرعتم لحساب صندوق تحيا مصر؟.
تذكر حديثه عن منظومة القيم والأخلاق واتجه إلى مشهد زيارته لضحية حادث التحرش بميدان التحرير عندما حرص على تكرار أسفه المعلن للضحية التى خفض لها جناح الرحمة أمام جموع المصريين، ثم اعتذر لكل سيدات مصر وتعهد بمنظومة أمنية وقضائية واجتماعية تحول دون تكرار ذلك.
فى المدة المتبقية من عام ٢٠١٤ التى تمثل بدايات العام الأول لحكمه بدأ الرجل فى مواجهة تركة ثقيلة كان قد عرض تفاصيلها فى خطابه الأول، الأولويات كانت تفرض نفسها على المشهد وسيطرت على حركته وسلوكه تحت عنوان ضخم «تثبيت الدولة المصرية»، ولم ينكر الرجل أن البناء المؤسسى والإدارى للدولة كان موجودا لكنه مصاب بالترهّل والتراخى وفقدان الحيوية، طوال هذه الفترة كان السيسى يبحث عن أدواته المتاحة للإسراع فى إتمام مرحلة التأسيس التى ستكون قاعدة للبناء عليها.
فى ظل هذه الضغوط كان التنظيم الإخوانى الإرهابى قد عقد العزم على استهداف شامل للدولة المصرية مركزا ضرباته على بنيتها الأساسية، وقتها كانت حركة التنظيم تتجه لعقاب شامل للشعب المصرى الذى أزاحه من حكم البلاد، وتوحدت معه كل جماعات التأسلم السياسى التى عادت لعباءتها التاريخية.
وفى يوم ٢٥ أكتوبر من عامه الأول كانت مصر قد تعرضت لحادث إرهابى ضخم ضد قواتنا المسلحة فى سيناء، فوقف السيسى مخاطبا المصريين بعبارات تعبر عن جسامة التحدى وكرر عبارة «مصر تخوض حرب وجود»، وأصر على أن مصدر خوفه الوحيد هو عدم توحد المصريين.
وبإصرار وانفعال واصل حديثه للمصريين محاطا بقادة المجلس العسكرى وكرر عبارة: «احنا شايفين التحدى وعنينا عليه احنا ثابتين ومتحركين فى اتجاه هدف واحد إعادة الدولة المصرية لمكانتها ويزيد»، ثم وصف المعركة فى سيناء بأنها ممتدة وطويلة.
طوال أربع سنوات  لم تكف الجماعة الإرهابية عن عملياتها التى تحولت نوعيا إلى القتل المباشر لقوات الشرطة والجيش وصولا إلى اغتيال النائب العام هشام بركات فى ٢٩ يونيو عام ٢٠١٥، تذكر وقتها كلمة السيسى عندما حرص على حضور مراسم جنازة الشهيد ومخاطبة الشعب المصرى مُصرًا على الثبات وعدم الاهتزاز وأكد بوضوح أن الأحكام القضائية الصادرة واجبة النفاذ دون مواءمات سياسية، ووعد بتنفيذ العدالة فى أقرب وقت ممكن.
طوال أربع سنوات لم يصدر عن الرجل صراحة أو ضمنا ما يمكن أن يفهم أنه تراجع أو استجابة لضغوط داخلية أو خارجية، طوال أربع سنوات كان مصرا على عدم مقايضة الدم المصرى.
لاحظ خلال العام الأول لحكمه سيطرة الحالة الإنسانية على حركته، فتجده وقد فاجأ المسيحيين حضور قداس عيد الميلاد بالكاتدرائية بالعباسية، ثم حرصه على المقابلة الشخصية للسيدة المكافحة “صيصة” القادمة من صعيد مصر، وبعدها حرص على لقاء الطفل المصاب بالسرطان “أحمد ياسر”، ثم ظهر مُقبلا رأس السيدة المسنة “زينب الملاح” التى تبرعت بقرطها لصالح صندوق تحيا مصر، وقابل إحسانها بالإحسان، وقرر مساعدتها للحج على نفقته الخاصة، واستجاب لدعوة اللاعب “منعم سعد الدين” من ذوى الاحتياجات الخاصة، وحضر حفل افتتاح دورة الألعاب.
توقف بالتحليل والتفكير فى فلسفة حركة الرجل، التى أعلن تفاصيلها بوضوح مباشر، فى خطابه الأول ستجد ملامح مميزة لتلك الحركة يمكن إجمالها فيما يلى:
■  استمرار الحركة نحو الأمام.
■  القدرة على الحركة فى اتجاهات متعددة.
■  عدم الخضوع للضغوط أو الإبتزاز.
■ عدم البدء فى أى شىء إلا ويكون إتمامه واجب.
■  الاعتراف الدائم بالفضل لله وللشعب المصرى.
■ عدم الإنجراف وراء محاولات الاستفزاز الإقليمية أو الدولية.
■  إدراك عميق لقيمة الدولة المصرية.
■ التزام الأدب الجم فى مخاطبة الآخرين.
■ الإصرار على اتخاذ القرارات المؤجلة لإنقاذ الاقتصاد.
■ إعلاء الصالح العام على معدل شعبيته.
بهذه السمات تميزت حركة الرجل التى يبدو أنها لاتزال عصية على فهم البعض من فرط وضوحها.