الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حكاية بطل «الأخيرة».. عبقرية 30 يونيو

حكاية بطل «الأخيرة».. عبقرية 30 يونيو






لا يمكن إنكار أن الجمهورية المصرية الجديدة انطلقت مرتكزة على قاعدة ثورة ٣٠ يونيو، وهى ثورة متفردة فى تكوينها بعد أن ضمت أطيافًا متنوعة من الشعب المصرى خرجت بوعى إدراكى أو حتى فطرى، لكن الجميع خرج خوفًا على بلده.
إنها بحق ثورة الدولة المصرية التى خرج شعبها وهو يدرك تمامًا ما يريد، يدرك تمامًا أنه خروج من أجل الحفاظ على كيان الدولة، خرج وهو يدرك قيمة هذا الوطن.
هنا تفرض علينا الحالة استعراض الفروق بين ما حدث عام ٢٠١١ وثورة ٣٠ يونيو وهو ما يمكن إيجازه فيما يلى:
- ٣٠ يونيو هى الحدث الوحيد الذى نجح فى تحريك ما يسمى بحزب الكنبة.
- ٣٠ يونيو خرجت محددة الاتجاه نحو الهتاف «يسقط يسقط حكم المرشد».
- فى ٣٠ يونيو اندمج الشعب مع قوات الشرطة فى مشاهد معلنة.
- ٣٠ يونيو خلت من أى مشاعر للاستعلاء الدينى أو التعالى الثورى.
- ٣٠ يونيو خلت من أى استهداف لأى مؤسسة فى الدولة.
- ٣٠ يونيو خلت من أى تمويلات أو تدريبات أجنبية أو حتى تنسيق مع أجندات خارجية.
- ٣٠ يونيو عادت لقواعدها سالمة بعد أن استعادت الدولة وسلمتها لمؤسساتها الأمينة ممثلة فى القوات المسلحة والشرطة وهو ما ظهر جليًا من حالة التزام شعبى بحظر التجوال المفروض وهو ما لم يحدث فى ٢٠١١.
- فى ٣٠ يونيو شاركت أسر الضباط بوضوح وجلاء فى الميادين.
- ٣٠ يونيو شهدت توحدا مدهشا لأجهزة ومؤسسات الدولة.
- ٣٠ يونيو أكدت نفسها بقوة يوم ٢٦ يوليو ٢٠١٣ استجابة لنداء وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسى.
- ٣٠ يونيو كشفت الغطاء عن أقدم تنظيم سرى وحولت المؤامرة إلى مخطط معلن بعدما أوشكت أن تتحول إلى أسلوب لإدارة دولة بحجم مصر.
-30 يونيو ثورة الدولة وليست ثورة تقويض الدولة.
من هذه الثوابت انطلق حكم عبدالفتاح السيسى الذى بنى فلسفته على ما يلى:
- احترام مؤسسات الدولة.
- مواجهة الفساد بقسوة.
- سرعة الإنجاز.
- عدم الخضوع لمحاولات ابتزاز الدولة.
- استعادة مكانة مصر الدولية والإقليمية،
- إعلاء الصالح العام على الشعبية.
- استعادة مكانة المرأة.
 فلسفة الرجل تقوم على تأسيس دولة القانون والمؤسسات والهيبة ليستلم من بعده دولة متماسكة بعد مرحلة سيولة شهدتها البلاد وكادت أن تعصف بوجودها.
من هنا تأتى عبقرية ٣٠ يونيو التى استوعبها السيسى وراح يبذل كل جهده لاستخدام الفعل الثورى وقودا لبناء الدولة، الرجل أخضع الثورة للدستور والقانون دون أن يخشى فى الوطن لومة لائم بعد أن كبح جماح شهوة الشعبية.
السيسى الذى لا يحكم عن الهوى راح منذ البداية يبحث عن مواطن الخلل التى ربما أدت لما صار فوقف على أهم أسباب تلك الحالة التى هددت كيان الدولة.. ربما وصل إلى ما يلى:
- استشراء الفساد.
- قصور الرؤية المستقبلية.
- التجاهل والتهميش.
- غياب القدرة على استقراء مدلولات الأحداث والرسائل وخطورة تأثيراتها التراكمية.
- تجاهل تطبيق القانون وتعطيل مبدأ المحاسبة.
- ترك كيانات إعلامية تَخلُق حالة ما فوق الدولة.
- الخلل الواضح فى مفهوم الأمن القومى فى الذهنية العامة.
- ترك النخبة النظرية تُمارس نضالها الشفوى دون كشف حقيقتها للرأى العام.
 ربما يكون الرجل وقف على هذه الأسباب التى طالما استخدمت لخلق وتصنيع حالة جفاء بين المواطن ووطنه، فمنذ مجىء السيسى رئيسًا للبلاد وضع منهجًا لتحركه يعبر عن وعى الرجل بما يريد وامتلاكه الإرادة لتحقيق ما يريد.. المدهش أن الغالبية معارضة وإعلاما انطلقوا نحو تقييم «شعبية» الرجل وجزموا بتراجعها دون إخبارنا إلى أى مقياس استندوا، وكيف كان يمكن الحفاظ على معدلات هذه الشعبية على حساب الإنجاز ودون الخضوع لابتزاز أصحاب المصالح.
والأكثر دهشة أنهم ما زالوا غير قادرين على فهم الرجل، ما زال الكثير منهم فى مرحلة ما يمكن تسميته «جس النبض»، ما زالوا غير قادرين على تخيل صلابة الرجل ووضوحه.
فالسيسى وضع منهجه من خلال ما يلى:
- تثبيت الدولة بقوة القانون.
- تحديد العلاقات بين المؤسسات.
- تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادى المعطل منذ سنوات.
- رفع الغطاء عن جماعات التأسلم السياسى.
- تكريس منظومة أخلاقية فى المجتمع المصرى.
- عدم التورط فى أى مغامرات غير محسوبة.
- الحسم فيما يتعلق بقضايا الأمن القومى.
- عدم السماح بأى مراكز قوى.
- الانفتاح على العالم الخارجي.
- قيادة مشروع تنويرى لتجديد الخطاب الدينى.
كل ذلك ولا يزال الكثيرون ممن تفرغوا لتقييم الرجل غير مدركين لحجم انكشافهم أمام الرجل.
 هنا نتوقف باستفاضة عند مفهوم «الشعبية» وكيف يتم بناؤها؟ وكيف يتم الحفاظ عليها؟ ثم كيف يتم تحقيق التوازن بين هذه الشعبية وبين الصالح العام؟!
بداية يطرح السؤال نفسه : كيف جاء السيسى إلى الحكم بعدما تعالى النداء «انزل يا سيسى»؟ ألم يأتِ الرجل بشعبية ثورية جارفة؟! إذن من نصب نفسه صاحب القدرة على قياس الشعبية عليه أن يجيب عن التالى:
- أين ذهبت شعبية ٣٠ يونيو؟ وهل هى التى تراجعت وبالتالى تراجعت معها شعبية السيسى؟!
أولا: إذا كانت الإجابة «بلا» فإن ذلك اعتراف صريح أن شعبية الرجل ما زالت كما هى تنهل من معين ثورى لم ينضب بعد، وإذا كانت الإجابة «بنعم» فإن أصحاب هذه الإجابة عليهم أن يواجهوا الشعب المصرى صاحب الحق الأصيل فى الثورة بهذه الحقيقة، وعليهم أن يعلنوا أن الثورة التى قامت ضد تنظيم الإخوان قد خفتت وأن هذه الثورة باتت ملزمة بمراجعة حساباتها خاصة فيما يتعلق بإعادة تقييم الإخوان!
- ثانيا: إذا كنّا تجاوزنا حالة «الشرعية الثورية» إلى حالة «شرعية الإنجاز» فان المسئولية تقتضى تقديم كشف عاجل بإنجازات السيسى وكيف كان يمكن الاستغناء عن بعضها أو تأجيله أو إتمامه بنفقات أقل، وما الإنجازات التى كانت واجبة ولَم تتم؟
- ثالثا: إذا كان من أعطى نفسه الحق والقدرة على مقياس الشعبية ولديه رؤية واضحة وفقا لما ورد بالبند ثانيا فإنه بذلك يكون قد امتلك برنامجا كاملا ورؤية واضحة مستندة إلى خبرة مستفادة من تجربة عملية، فلماذا لم يتقدم الصفوف مرشحا لإصلاح ما رآه خللا فى التجربة محل تقييمه، أم أن للتنظير رجالا وللمسئولية نوعا آخر من الرجال؟!
- رابعا: إذا وصل المنشغلون بالتقييم إلى نتيجة محسومة أن الشعبية تراجعت لكن الثورة لم تتراجع، فإن ذلك اعتراف صريح بأن السيسى آثر وطنه على نفسه وأصر على الانتقال من حالة «مصر الزعيم» إلى «مصر الدولة».
- خامسا: هل من أعطى نفسه حق التقييم يمكنه إبلاغنا ما قيمة عوامل مؤثرة فى عملية التقييم كفرض الأمن ومحاربة الإرهاب، القضاء على طوابير انتظار مرضى فيروس c، تطوير تسليح الجيش، حماية الحدود الغربية، استقلالية القرار المصرى، عودة المكانة الدولية، إعلاء مكانة المرأة، هل له أن يخبرنا بذلك.
سادسا: هل له أن يفسر لنا ظاهرة التصويت التاريخى غير المسبوق للمصريين بالخارج.
ما تقدم أسئلة حتمية وعلى المتضرر اللجوء للصندوق.
ثم تواصل ٣٠ يونيو عبقريتها باعتبارها دليلا دامغًا على أن مصر بلد اللاطائفية واللاتعصب، وهنا تجد التزامًا رئاسيًا مدهشًا من السيسى بما فرضته الثورة فيدعو فى العلن إلى ثورة دينية ويحرص على حضور قداس عيد الميلاد سنويا، ولا يألو جهدا لحث الأزهر على اتخاذ خطوات فعلية لتجديد الخطاب الديني.
 الحالة الثورية فرضت على السيسى أن يكون منفذا لبرنامج ثورى بعد ترشيده بقواعد القانون والدستور، وبالتالى فإن عبد الفتاح السيسى عندما يحاول أن يكون مخلصًا فى تنفيذ هذا البرنامج الثورى من خلال علاج الأسباب التى تراكمت عبر سنوات وأدت لوصول التنظيم الإخوانى فإنه من غير المنطقى أن نقول بتراجع شعبيته وإلا يكون الثائرون قد انقلبوا على ثورتهم.
من المهم هنا أن نفهم أن السيسى حريص على ألا تتحول ٣٠ يونيو إلى صراع شخصى بينه وبين التنظيم الإخوانى وإلا فإن إمكانية الجلوس على طاولات المفاوضات السرية والمعلنة مع التنظيم عقب انتهاء فترة حكم الرجل ستكون متاحة جدًا، لكن السيسى المتجرد من شهوات بناء المجد الشخصى حريص تماما على أن تظل الحالة معركة بين الدولة المصرية وهذا التنظيم، هنا يتضح الفارق بين رئيس يدير الحكم وآخر يقضى وقتا فى الحكم.
تعالوا نتذكر جميعا لماذا قامت ثورة ٣٠ يونيو؟ إذا كان هناك من نسى فنقول له أنها قامت لإزاحة الاحتلال الإخواني للدولة المصرية، لا أقول هنا حكم بل وضع يد على الدولة المصرية بمعرفة التنظيم ولصالح وسيط إقليمى وآخر دولى، وهى أوهام لم تبارح عقلية التنظيم المريضة حتى الآن، وبذلك فإن الانتخابات المقبلة هى استكمال لعمل ثورى بدأه الشعب المصرى وألقاه فى حوزة السيسى الذى لم يتراجع قيد أنملة عن الاتجاه الصحيح للثورة، وبالتالى فإن المقاطعة تكشف عن خلل فى الفهم وتعبر عن حالة انقلاب ذاتى للمواطن على نفسه، لأنه ربما كان من الممكن أن تكون خيارا متاحا لو أننا أمام حالة سياسية أما فى حالة الصراع على بقاء الدولة، فإن مقاطعة الانتخابات هنا ليست امتناعا عن أداء بل فتح لثغرة يطل منها التنظيم على الدولة مرة أخرى.
الآن نتحدث عن توصيف الحالة الانتخابية.. لنستعرض موجبات المشاركة التى أصبحت حتمية.. لعلها تكون ما يلي:
- إذا كنت معتقدا أن مقاطعتك هى اختيار حر فإنك مخطئ لأن المقاطعة هى عبارة عن استخدامك لصالح التنظيم الإخوانى بغير إرادتك بفرض حسن نيتك.
- إذا قررت أن تقاطع باختيارك فإن انعكاسات المشهد الانتخابى الهزيل على حياتك لن تكون باختيارك يقينا ستؤثر عليك بغير إرادة منك.
- إذا قررت المقاطعة بإرادتك ولم تنجح دعوات المقاطعة فإن قيمتك الصفرية مجتمعيا وسياسيا لن تكون بإرادتك.
هذه محاولة لتوصيف الحالة الانتخابية الاستثنائية والتى شاء القدر أن تجرى على إيقاع أصوات المدافع المصرية فى سيناء.
 بعد محاولة الشرح والتوصيف للحالة الانتخابية تأكد تماما أن عزوفك عن المشاركة تضررا من أوضاع تراها مؤلمة يقينا سيؤدى إلى أوضاع أكثر إيلاما، تاكد أن نزولك هذه المرة هو حالة فريدة لامتزاج مصلحتك الشخصية بحالة وطنية عامة.
النزول هذه المرة ليس تصويتا مجردا لشخص المرشح المنشود إنما مشاركة حتمية فى معركة وطن واضحة المعالم والأدوار فيها محددة سلفا، فإذا كنت تعتقد أنك تمتلك إرادتك الحرة فى أن تقاطع فعليك أن تعرف أن من دعاك إلى المقاطعة إنما يهدف إلى سحب الشرعية عن وضع أنت ساهمت فى صناعته بثورة ٣٠ يونيو فإذا استجبت له فإنك تمنح شرعية لمن يجردك من الشرعية، فتكون كمن استهدف نفسه بنفسه.
بلا مواربة إننا هنا ندعوك مباشرة للنزول من أجل تأكيد شرعية أفكارك ومبادئك وثمرة نضالك، ندعوك للنزول من أجل وطن هناك من ضحى بحياته من أجله وأجلك وأنت على موعد مع التضحية بساعة من حياتك من أجل ذاتك.
بهذا أتم لكم على مدار عدة حلقات - اجتهدنا فيها ما استطعنا - ما تيسر من حكاية بطل اسمه «عبد الفتاح السيسي» هو جزء مضىء من حكاية وطن كانت ولا تزال مستمرة فصولها إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.. فمصر كانت قبل التاريخ وباقية لآخر التاريخ.