الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«فاوستو زونارو» الفنان المستشرق

«فاوستو زونارو» الفنان المستشرق






فى جنوه الإيطالية ولد وترعرع فنان اليوم لأب يعمل فى تصميم وتنفيذ كرانيش البنايات - حليات العمارة وزخارفها - وهو الفنان فاوستو زونارو كان عليه أن يتبع قلبه بعد دراسته فى أكاديمية الفنون فى فيرونا ويصحب محبوبته وتلميذته الفينيسية فى نفس الوقت إليزابيتا بانتيه والتى كانت مغرمة بالحكايات البندقية عن الشرق آنذاك فى كتب الرحالة والدجالين والتى انتشرت أيضا فى كتابات سابقة فى الدوكاميرون وغيرها.
رحل «فاوستو» إلى اسطنبول أو «كونيستانتينوبوليس» كما كانت تسمى دائما وعنده أمل كبير فى أن يتحقق حلمه ويصبح من ذوى الشهرة فى حاضرة الإمبراطورية العثمانية والتى عرف عنها فى فترة ما رعايتها للفنون والفنانين وكما كان يسمع الجميع أن الوافد الجديد الذى أتى من باريس حاملا معه مدرسة كاملة فى الفن التشكيلى والاستشراقى بالتحديد الفنان الكبير عثمان بك حمدى والذى كان لقاءه به فاتحة خير على زونارو، كانوا هؤلاء الفنانين الأوروبيين الذين يذهبون لتجربة حظهم فى اسطنبول وغيرها من الحواضر الشرقية كانوا يعملون كرسامى بورتريهات للوجهاء والنبلاء وأيضا كمعلمي رسم وهكذا وبعد أن رسم زونارو بورتريهات للوجيه منير بك خازن والذى كان يعمل فى ديوان السلطان عبدالحميد، اتاح منير بك لزونارو ان يتعرف على عثمان بك حمدى - ناظر الآثار والفنون - آنذاك وجرى بينهما لقاء فى قصر يلدز الشهير والذى ساعد زونارو كثيرا فى أن يقوم برسم عدة بورتريهات لشخصيات من وجهاء القوم فى اسطنبول آنذاك ومن بينهم قنصل روسيا فى اسطنبول آنذاك أنطون ماركونيدزه والذى كان قد شاهد لوحة فى بيت زونارو كان قد أنجزها للتو وتصور فيلق من فيالق الجيش العثمانى يعبر جسر جالاتا فكتب للسلطان عبدالحميد الثانى يخبره عن جمال اللوحة فى رسالة شهيرة مما دفع السلطان أن يشترى اللوحة بمبلغ كبير ويطلب مقابلة فاوستو زونارو وبعد أن كلفه بعمل عدة لوحات للقصور العثمانية فى اسطنبول منها قصر الباب العالى أصبح السلطان يكن لها إعجابا شديدا وعينه رسام البلاط رسميا ومنحه وساما وخلعة وأصبح يلقب رسميا بلقب «رسام حظرة سرايات» وهو لقب عثمانى رفيع.
الحقيقة أن زونارو لم يكن فنانا نمطيا بالمعنى المتعارف عليه فنحن لا نستطيع أن نطلق عليه فنانا غربيا مستشرقا بل أكثر من ذلك فهو فنان غربى شرقى القالب والأخيلة وهذا وان كان سبب فى شهرته إلا أنه كان أيضا عائقا كبيرا فى أن يندمج مرة أخرى مع فنانى عصره الغربيين بعد عودته لإيطاليا، أيضا من ناحية تصنيفه فقد نجد صعوبة فى تصنيفه كفنان داخل مدرسة ما غير انه اسشتراقى بالطبع لكنه ليس فنانا واقعيا بشكل كامل كما يصنفه بعض النقاد ولا هو كلاسيكيا تماما كما يطلق عليه أيضا بعض النقاد لكن زونارو خليط من كل هذا.
ربما نستطيع ان نقول إن الاسشتراق الذى جذب فاوستو زونارو حرمنا من زونارو الفنان الحر الذى يصول ويجول فى موضوعات عديدة ومن ثم حصر الاستشراق زونارو فى إطار وحيد بل الأكثر من ذلك لم يكن اسشتراقه استشراقا عاما بل كان محددا فى مشاهد اسطنبول وشوارعها وما يحدث فيها لذا علينا ان نحدد اسشتراقه بمصطلح - الاستشراق الأستانى - إذا جاز التعبير ومن هنا لم يكن زونارو مشهورا فى الأكاديميات الأوروبية حتى أواخر الستينيات من القرن الماضى حينما خصص له لويجى كاراباتو الباحث والفنان فى أكاديمية بادوا منهجا ومبحثا خاصا بأعماله وهذا ما دفع العديد من دور العرض مثل سوثبى وكريستيز لشراء أعماله من المجموعات الخاصة لأن معظم أعماله فى القصور العثمانية فى تركيا والتى تم تحويلها لمتاحف ومن ثم أصبحت مملوكة للحكومة التركية، لكن هناك نذرا يسيرا من أعماله فى فينيسيا وبادوا ولندن وموسكو كما اكتشفت له العام الماضى ثلاث لوحات فى سان بيترسبيرج الروسية قدرت إحداها بمبلغ 33 مليون جنيه استرلينى بحسب دار كريستيز.
كانت موضوعات فاوستو زونارو موضوعات عامة أى تدخل فى اطار التجمعات العامة أو بعض المشاهد الحياتية اليومية فى اسطنبول وجذبته حريم اسطنبول وعاداتهن كما جذبت معظم الفنانين المسشترقين قبله وتعتبر لوحته «نساء يركبن القوارب فى البوغاز» من أهم وأقوى لوحات الاستشراق العثمانى.