الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
خطاب من «روزاليوسف»:  ولدى السجين إحسان!

خطاب من «روزاليوسف»: ولدى السجين إحسان!






ما أكثر الخطابات التى كتبتها السيدة «روزاليوسف» لابنها «إحسان عبدالقدوس» والتى أشاد إليها «إحسان» فى بعض مقالاته ومن بين هذه الرسائل أتوقف أمام رسالتين فى غاية الأهمية، والأهم أن السيدة روزاليوسف قامت بنشرها فى مجلتها فى ذلك الوقت!
الرسالة الأولى كانت بعد دخول «إحسان» السجن فى زمن حكومة «محمود فهمى النقراشى باشا» فى أغسطس سنة 1945 والثانية عقب تخليها عن رئاسة تحرير المجلة وإسنادها لإحسان عبدالقدوس!
تحت عنوان «إلى ولدى السجين» كتبت «روزاليوسف»:
ولدى إحسان: أحييك فى سجنك، تحية أم وتحية مواطنة حملت قبلك شرف الجهاد فى قضية مصر، وقد اختلط فى نفسى شعور الأم بشعور المواطنة فما أدرى بأيهما أعبر عن نفسى، إن فى قلبى جحيمين: جحيم الأمومة وجحيم المبدأ وكلاهما قطع من عذاب!
الخوف عليك يعذبنى وما انتهى إليه مصيرك يذهب بالخوف ويبيده، فعيناى باكيتان بلا دمع، ونفسى والهة بلا أنين، وفى أعماق كيانى يرتفع زهو وكبرياء يخالطهما اطمئنان وراحة ضمير وحمدًا لله عليك وعلى نفسى.
أحمد الله عليك إذن وأنت فى أول طريقك فى قضية مصر، قد نزلت منزلًا كريمًا وفى سبيل مبدأ كريم والسجن يا ولدى منازل الأحرار إذا دخلوه مدافعين عن حرية الرأى، مناضلين فى سبيل الحرية، فلا يرضون باحناء الرأس وتلجيم الفم من أجل متاع دنيا لا تدوم وهم فى كل هذا يتعاركون عراك الديوك فى حظيرة القصاب!
ثم أحمد الله على نفسى إذ أكرمنى، وأنا مازلت على قيد الحياة بأن أراك تحقق أملى فيك وتستقيم على المنهج الذى ربيتك عليه، وأن تكون لبلادك ولحرية الرأى، ومازلت فى السن التى يكون فيها غيرك لمغامرات الشباب، وأحلام الشباب ومباهج العيش الهنىء!
أنا  لا أخاف عليك مما  انتهيت إليه لأن السجن وقد نزلته كريمًا مجاهدًا، لن ينال من نفسك، وهذا القيد سيقوى فيك غريزة النضال، وستنجلى محنتك كما تنجلى محنة الذهب وقد صهر فى النار عن الأبريز الخالص الذى لا يشوبه شىء، فكن جريئًا نبيلًا فى سجنك كما أنت جريء ونبيل فى حريتك!
إن مصر التى هى فوق الجميع ستكون كما يستحق كل مصرى أن يكون، وأحمد الله الذى لا يحمد على مكروه سواه أنك بين شباب مصر الذين هم صورة لمصر التى نرجو أن تكونها!
واختتمت السيدة روز اليوسف خطابها إلى إحسان قائلة:
ولدى.. لا تجزع على والدتك، فأنا بخير مادمت أنت على المبدأ الذى سكبته فيك ونشأتك عليه، وأنت خير من يعلم أننى حضرت الغرق والطوفان فى مواقف غير هذه، فهل أخشى البلل وطغيان موجة لا ترتفع إلا لتنكسر، سيكون قريبًا لقاؤنا تحت الراية وفى الصف لنستأنف الجهاد!
وفيما بعد كتب «إحسان» يقول: وصادر «النقراشى» باشا المجلة وكانت المفاجأة لنا وكان صديقًا لأمى وللمجلة ولم يكتف بذلك بل أمر بالقبض علىّ وأدخلنى السجن وكانت أول مرة فى حياتى أدخل فيها السجن، لكن كان سجن الأجانب وكنت مدللًا فيه للغاية وبعد أربعة أيام أفرج «النقراشى» عنى واتصل بوالدتى يعتذر لها!
إننى كنت سعيدًا بهذه التجربة لقد نسيت تمامًا أننى سجين وتحولت إلى دراسة السجن والتعرف على السجناء معى، وكان إحساسى بالسعادة لا يقاس وأنا أرى زوجتى الشابة تحضر إلى كل صباح تحمل لى الطعام من البيت وتحمل مع الطعام ابنها الرضيع «محمد»!
وللحكاية بقية!