الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
القوات المسلحة الديمقراطية

القوات المسلحة الديمقراطية






مؤسسة عسكرية متفردة لا تنجرف إلى السياسة وهى الحامى الأول والمؤسس الرئيسى للبنية التحتية للحياة المدنية

 

مدهش أمر هذا الجيش العظيم، على طول امتداد الجبهة تراه مصطفًا فى انضباط مذهل، لا يفتر ولا يتراجع بمرور الوقت، على خط النار فى سيناء يقف شامخًا، وتحت وطأة ضغوط العمليات الجارية لا يتخلى أبدا عن انضباطه، وبنفس درجة الأداء تراه على جبهة المشروعات القومية منجزًا أمينًا لا يتخلف عن تسليم أى مشروع فى موعده، وبأعلى مواصفات الجودة وأرخص الأسعار الممكنة، وفِى وقت الأزمات تجده حاضرًا قويًا ضامنًا لمخزون السلع الاستراتيجية حائلاً دون أى عجز قد تتعرض له، ليس قوة مسلحة فحسب بل وأمينا على الإرادة الشعبية ويخضع لاختياراتها.
 هو بحق مؤسسة عسكرية متفردة لا تنجرف إلى السياسة ولا تسمح بأن يكون للأيديولوجيات مكان فى صفوفها، ومع كل هذا تراها الحامى الأول والمؤسس الرئيسى للبنية التحتية للحياة المدنية، هو جيش لا يمارس السياسة ولكنه صانع الحماية الحقيقية لما يمكن تسميته بأجواء السلام السياسى الذى يضمن للمدنيين ممارسة حقوقهم الديمقراطية بكامل إرادتهم الحرة.
على متن الطائرات الحربية ذهب القضاة محمولين إلى لجانهم، وحول اللجان وقف رجال القوات المسلحة بكامل عتادهم وزيهم العسكرى لا يمارسون عملية التأمين الاحترافية فحسب بل ويسارعون إلى مد يد المساعدة لكبار السن ولذوى القدرات الخاصة لتيسير عملية الاقتراع عليهم.
حول اللجان انتشرت القوات المسلحة باعثة لمساحات من الأمن والطمأنينة نقلتها الشاشات فكانت دافعًا رئيسيًا لتدفق الناخبين إلى لجانهم، الجيش الذى لا يمارس السياسة والذى لا تعرف قواعده العسكرية مفردات وخيارات الديمقراطية هو نفسه قاعدة ارتكاز الممارسة الآمنة للديمقراطية، لتأتى هنا المفارقة بأن من هتفوا ضده يومًا إنما كانوا يهتفون ضد أنفسهم ويدعون لإسقاط أنفسهم بأنفسهم!
 عام ٢٠١١ استجاب الجيش لإرادة من نزل إلى الميدان ثم قام بتسليم هذه الإرادة لأصحابها وهم بدورهم سلموها للتنظيم الإخوانى وهم يدعون أنهم قوى مدنية تناضل من أجل دولة مدنية، فإما أنهم لا يدركون حقيقة الجماعة الإرهابية، وإما أنهم لا يعرفون ماهية الدولة المدنية!
بفعل الجهل السياسى تحملت مصر عامًا عصيبًا وكشفت الجماعة عن كامل ملامح وجهها القبيح، فنزلت الملايين إلى الشوارع مرة أخرى ولم يكن هناك مصدر لاطمئنانها فى مواجهة ميليشيات الإخوان إلا ثقتها فى أن جيشها الوطنى حتما سينحاز لها، حتما سيستجيب لمسئوليته فى حمايتها وتأمين إرادتها.
فى كل مرة يتدخل الجيش لتصحيح المسار المدنى الديمقراطى الذى ينحرف أصحابه عن طريقه الصحيح فيعيدهم الجيش إلى اتجاههم الصحيح ويعبد لهم الطريق ويفتحه أمامهم فيظلون متوقفين فى نفس أماكنهم كما لو كانوا يتعاملون مع فرص الدولة المدنية باعتبارها حلما غير قابل للتحقق، فلما يتحقق يتعاملون معه ككابوس لا يقوون على تحمل مسئولياته.
 الجيش باعتباره مؤسسة عسكرية لا تخضع طبيعتها لقواعد الديمقراطية المدنية، هو نفس الجيش المؤمن بدوره فى حماية فرص الديمقراطية المتاحة أمام القوى التى تدعى أنها قوى مدنية دون أن يكون لادعائها مصدر سوى اليقين بأن الجيش لن يسمح بالقفز على هوية الدولة المصرية.
تخيل أن هذه القوى تؤمن تماما بأن أى تجربة لدولة مدنية لن تتحقق إلا استنادا لخلفية عسكرية صلبة قادرة على حماية الإرادات الشعبية؛ ومع ذلك انجرفت فى وقت ما نحو التجريح فى هذه القاعدة وهى تعلم أن سقوطها -لا قدر الله- يعنى سقوط الفرص المتاحة لبناء دولة مدنية إلى الأبد.
متلازمة غريبة تقع القوى المدنية المزعومة تحت أسرها بعدما رسخ فى ذهنيتها العامة أن المفهوم لكلمة مدنية هو المقابل لكلمة عسكرية، متناسية أن مدنية الدولة ليست عنوانا لهوية غير عسكرية بل عنوانا لدولة القانون الذى تخضع له كل المؤسسات بما فيها مؤسسة القوات المسلحة.
 لا تندهش أن المؤسسة العسكرية هى جزء من الدولة المدنية المصرية، بل لعلها الأكثر التزاما بقواعد هذه الدولة، وهنا تعالى نستعرض مظاهر الدولة المدنية داخل المؤسسة العسكرية - تذكر لا تندهش- ثم اقرأ ما يلى:
■ الجيش يمارس عمله وفقا لقواعد دستورية محددة تنطبق عليه ويلتزم بها جراء تصويت لقوى مدنية.
■ الجيش له قانون خاص يخضع له جميع أفراده دون تمييز.
■ الجيش المصرى لا يسمح بأى تكتلات طائفية داخل تشكيلاته.
■ الجيش على رأس المؤسسات التى تعلى مبدأ المحاسبة.
■الجيش فى مقدمة المؤسسات التى تعرف مبدأ التخصص.
■الجيش فى مقدمة المؤسسات التى تعلى مبدأ المواطنة.
كل هذه المبادئ من مقومات الدولة المدنية تجدها راسخة داخل الجيش المصرى.
الحالة الجدلية المصطنعة تدفعنا إلى الحديث عن البديهيات، وبما أن القوى التى تزعم أنها سياسية لا تكف عن حديث الدولة المدنية إذن فلنتحدث أولاً عن الدولة المضاف إليها الصفة المدنية، لنجد أن هذه الدولة لم يحفظ وجودها على مر التاريخ سوى الجيش المصرى العظيم ليقدم بذلك دوره الوطنى فى كل مرة ويدفع به إلى هذه القوى التى تجد نفسها أمام مسئولية حقيقية فلا تقوى على حملها لانعدام مشروعها الحقيقى لبناء دولة مدنية، فإما أن تظل الدولة معلقة دون مشروع للبناء - لا إمساك بمعروف ولا تسريح بإحسان-  وإما تستولى عليها جماعات الإسلام السياسى التى لا تؤمن أساسا بفكرة الدولة، فتضطر القوات المسلحة لاستعادة الوديعة وصيانة الأمانة من منطلق مسئوليتها الوطنية التى لم تتخل يومًا عنها.
الحقيقة تقول إننا لسنا أمام قوى سياسية بالمعنى الحقيقى بل مجموعات اجتماعية لا تملك مشروعا حقيقيا وتجمعها سمة «البطالة السياسية»؛ لكنها تُمارس دورها آمنة مطمئنة إلى أن الجيش لن يسمح بانهيار الدولة.
 تزامنًا مع هذه القدرة المدهشة على إدارة منظومة حفظ وصيانة الدولة لا تتخلى القوات المسلحة عن دورها الأساسى فى تحقيق الأمن القومى الاستراتيجى؛ وصولا إلى منتهى أعماقه الإقليمية.
برغم كونها مؤسسة تحفظ أساسا وجود الدولة فإنها لم تحد قط عن دورها كقاعدة ارتكاز لهذه الدولة فى إطارها الدستورى والقانونى فلا تجدها تستعلى أبدا عليها، بل تخضع دائما للإرادة الشعبية وتؤمن اختياراتها بل تعيد تأمين تلك الاختيارات إذا ما اكتشف أصحابها أنهم حادوا عن الطريق الصحيح.
فى كل مرة تتحمل القوات المسلحة نتيجة هذه الاختيارات وتبذل جهدا مضنيا للموازنة بين الإرادة الشعبية والأمن القومى للبلاد دون أن تفرض وصاية على هذه الإرادة.
الحقيقة الدامغة أنه لا دولة دون قوات مسلحة قوية، ولا مدنية دون قوات مسلحة مدركة لقيمة هذه الدولة وهويتها وثقافتها.