الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
غيبوبة القرن!

غيبوبة القرن!






أكثر من عشرين عاما فى انتظار الضربة الأمريكية لإيران، اكتسبت خلالها إيران زخما ومكاسب، بل ذهب البعض للترويج لها باعتبارها رمزا للصمود فيما يمكن تسميته بـ«غيبوبة القرن»، فى انتظار الضربة الأمريكية لإيران والتى لن تأتي أبدا، وجهت ضربات عديدة لقلب الوطن العربى، حيث قضت الولايات المتحدة على الجيش العراقى تماما، وسلمت العراق للحرس الثورى الإيرانى، فى انتظار الضربة تم تدمير الجيش السورى وسلمت دمشق لباقى تشكيلات الحرس الثورى، ولا يزال انتظار الضربة مستمرا، عربدة إيرانية فى صنعاء وجنوب لبنان، ولا يزال البعض ينتظر الضربة الوهمية.

 إيران المناضلة على أرض سوريا العربية تقف متفرجة على الاحتلال التركى لأرض عفرين السورية، إيران المناضلة تقف ظهيرا لعملية السرقة بالإكراه لإرادة الشعب العربى اللبنانى التى تمارسها ميليشيات حزب الله، إيران المناضلة تقف حارسا لعملية السطو المسلح على إرادة الشعب اليمنى التى تمارسها ميليشيات الحوثى فى صنعاء، إيران المناضلة تدير مشروعات الاستثمار الطائفى على أرض بغداد العربية، تخيل هى نفس ايران التى راحت تيارات وقوى سياسية إخوانية سنية وناصرية ويسارية تدعى إيمانها بالقومية، راحت تدعمها وتصدرها للشعوب كرمز للمقاومة، بل وتزايد بها على أنظمة دولها وعلى وطنيتها، بينما هى إيران التى تبنى مشروعها الفارسى القائم على تفكيك الوحدة العربية، فى حالة غريبة من التوحد على اللاوعى واللاإدراك.
تعالوا نستعرض دراسة حالة مدهشة لموقف القوى المصرية باختلاف توجهاتها من المشروع الإيرانى، لنجد أن الإخوانيين محمد سليم العوا، وفهمى هويدى راحا يروجان له باعتباره مشروعا إسلاميا، وليس فارسيا توسعيا، ثم جاء المعزول المتخابر محمد بن العياط ليزور إيران، ولا تزال المجموعات السلفية والجهادية تدعمه رغم تمكينه لرئيسهم السابق أحمدى نجاد من دخول الأزهر رافعا علامة النصر فى بهو المشيخة دون أن يكون لها مبرر أو سياق سوى أنه يقول:  نحن بنو فارس قد عدنا، تخيل أن المشروع الفارسى الشيعى كان أملا فى العودة محمولا على ظهر مشروع إخوانى.
تخيل حجم الزيارات السرية التى قام بها محمد رفاعة الطهطاوى إلى إيران بتكليف من محمد مرسى من أجل التشاور والتنسيق.
استمرارا لحالة اللاوعى راح حمدين صباحى يروج للنموذج المبهر للمقاومة بقيادة حزب الله، تخيل أن الناصرى المؤمن بالقومية العربية لا يخفي إعجابا وتشجيعا بأدوات المشروع الفارسى القائم أساسا على تفكيك القومية العربية إعلاء لقوميته الفارسية، يساندة زميله فى الاضطراب السياسى إبراهيم عيسى الذى راح يوزع بوستر منفصلا مع جريدة الدستور لزعيم المقاومة حسن نصرالله عام ٢٠٠٦، تخيل الحفاوة بأحد أدوات مقاومة مشروع القومية والوحدة العربية.
 فى ظل هذه الحالة التى تتلبس مجموعة من منتحلى صفة النخبة وما هم بنخبة، تتزايد أعباء الدولة المصرية التى لا تكف عن الدفاع عن الأمن القومى العربى فى مواجهة أطماع فارسية توسعية وطائفية، فتجد أطراف هذه النخبة تتحدث كما لو كانت أبواقا لهذا المشروع الفارسى ليس ذلك فحسب، بل تتهم وطنها بالتخاذل عن مساندة ما يصفونه وهما بالمقاومة، وتتجاوز ذلك إلى تشويه كل من يساند مشروع وطنه بالكتابة أو بالعمل الفنى أو بالتوعية أو بالقول الصالح، ثم يعودون يزايدون على الجمهور المنخدع بمزاعم القومية العربية التى يعملون ضدها سرا وعلانية.
 هى حالة مدهشة للبس المتعمد بين معارضة الدولة ومقاومتها، والمدهش أن أرباب هذه الحالة من الهلاوس السياسية لم تجد لهم عزما مماثلا فى مقاومة مجيء محمد مرسى العياط الذى ثبت يقينا أنه إحدى أدوات مشروع تفكيك الهوية المصرية وبالتالى فكرة القومية العربية بأكملها.
الآن وتزامنا مع العدوان الثلاثى على سوريا تجدهم يعانون حالة اضطراب نفسى ثلاثى مظاهره كالتالى:
- هل نرفض العدوان فنكون متسقين مع الموقف التاريخى للدولة المصرية، وبالتالى سيحسب علينا تأييدنا لدولتنا فنصاب لا قدر الله بتهمة تأييد بلدنا التى اتهمنا بها غيرنا من قبل!!؟
- هل نؤيد العدوان فيلحق بِنَا العار رغم أننا أيدنا حاضنة الفكرى الإخوانى وجئنا برئيس إخوانى كبل الدولة المصرية عن دورها الوطنى عاما كاملا؟!
- هل نقف صامتين فلا نحسب بوضوح على معسكر محدد فتضيع المكاسب والعطايا؟!
الآن سوريا تتعرض للعدوان من قوى دولية تتصارع النفوذ على أرضها، وبرغم الرفض القاطع للعدوان على سوريا من منطلق عروبى خالص طالما دافعت مصر عنه، فإننا لن نناور حول هذا العدوان، بل نتجه مباشرة لمن سمح به وقدم له إشباعا لرغباته التوسعية الطائفية، نتجه إلى طهران التى لم يكن يوما لها أى مشروع سوى مشروع فارسي لا يمكن أن تقوم له قائمة إلا بعد تفكيك الأمن القومى العربى، فتجدها قد نشرت قواعدها الطائفية فى صنعاء ودمشق وجنوب لبنان وفى العراق.
ولِمَ لا وقد وجد هذا المشروع من يوفر له ظهيرا جماهيريا ودراميا من بعض المثقفين الذين ألبسوه زورا وبهتانا ثوب المشروع المقاوم للإمبريالية الأمريكية، تخيل يتم دعم مشروع توسعى إيرانى فى مواجهة مشروع توسعى أمريكى، تخيل كيف يتم إخماد النار بالنيران.
 إلى القاهرة تعالوا إلى كلمة سواء، تعالوا إلى القاهرة التى لم تحد يوما عن حدود الأمن القومى العربى، تعالوا إلى القاهرة التى لم تستخدم الأمن القومى العربى لخدمة مصالحها، بل سخرت مصالحها لحماية هذا الأمن، تعالوا إلى القاهرة التى مشت أميالا على الأشواك للتصدى لمحاولات تفكيك الجيوش العربية، تعالوا إلى القاهرة التى لم يتلون مفهومها للأمن القومى العربى استجابة لضغوط أو بحثا عن أطماع أو مناطق نفوذ إقليمية، تعالوا إلى القاهرة التى دوما كان نفوذها فى قلب وعقل ووجدان المواطن العربى فنا وأدبا وثقافة وغناء وبهجة، ولم يكن ابدا نفوذا قهريا توسعيا استعلائيا.