الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
من روزاليوسف إلى إحسان حاسب ضميرك دائماً!

من روزاليوسف إلى إحسان حاسب ضميرك دائماً!






لم تكتف السيدة «روزاليوسف» بتعيين ابنها الشاب «إحسان عبدالقدوس» (25 سنة) بتعيينه رئيساً لتحرير مجلة روزاليوسف بدلاً منها عقب خروجه من السجن بل كتبت له خطابا مهما يتضمن وصاياها أو نصائحها له، ونشرت الخطاب كاملا فى عدد المجلة الصادر فى 24 أكتوبر سنة 1925 بعنوان «عشرون عاما فى الانتظار».
كتبت السيدة «روزاليوسف» لإحسان قائلة:
ولدى رئيس التحرير:
عندما اشتغلت بالصحافة وأسست هذه المجلة كان عمرك خمس سنوات وقد لا تذكر أنى حملت العدد الأول ووضعته بين يديك الصغيرتين وقلت: هذا لك!
ومرت عشرون عاما قضيتها وأنا أراقب فى صبر وجلد نمو أصابعك حتى تستطيع أن تحمل القلم، ونمو تفكيرك حتي تستطيع أن تقدر هذه الهدية التى كونتها بدمى وأعصابى خلال سنين طويلة لتكون لك اليوم.
والآن قبل أن أضعك أمامى لأواجه الناس دعنى أهمس فى أذنيك بوصية أم إلى ابنها وصية جيل إلى جيل:  مهما كبرت ونالك من شهرة، لا تدع الغرور بداخل نفسك، فالغرور قاتل!
كلما ازددت علما وشهرة فتأكد أنك مازلت فى حاجة إلى علم وشهرة.
حافظ على صحتك فبغير الصحة لن تكون شيئًا.
مهما تقدمت بك السن فلاتدع الشيخوخة تطغى على تفكيرك، بل كن دائما شاب الذهن والقلب وتعلق حتى آخر أيامك بحماسة الشباب.
حارب الظلم أينما كان، وكن مع الضعيف على القوى ولا تسأل عن الثمن.
حاسب ضميرك قبل أن تحاسب جيبك ولعلك فهمت!
كن قنوعا، ففى القناعة راحة من الحسد والغيرة!
ثق أنى دائما معك بقلبى وتفكيرى وأعصابى فالجأ إلى دائماً.
وأخيرا «دع أمك تسترح قليلا».
انتهت وصية السيدة «روزاليوسف» لابنها رئيس التحرير «إحسان عبدالقدو»س، وبعد مرور أربعة سنوات على توليه هذا المنصب كتب مقالا عنوانه «روزاليوسف فى 25 سنة» روى فيه وصايا أمه له وكتب معلقا:
«إنى أدع للسيدة «فاطمة اليوسف» أن تحكم على مدى اقتناعى بنصائحها بعد أربع سنوات من رئاستى للتحرير، ولكنى أعلم أنى فشلت فى الأخذ بنصحيتين: الأولى هى المحافظة على صحتى والثانية هى أن أريح والدتى ولو قليلا!!
ولم يكن فى استطاعتى أن أحافظ على صحتى والمجلة التى أعمل فيها كل صفحة منها يجب أن تنبض بالحياة ــ حياة القلب لا حياة المطابع ــ وكل سطر منها يجب أن يشتعل نارا، نار الفكر وكل رأى فيها يجب أن يكون صرخة وكل كلمة يجب أن تكون رصاصة وكل عدد يجب أن يزعج النيابة أو الرقابة، وهذا إن لم يفضل رئيس التحرير أن يدخل السجن!!
إنها حرب مستمرة والحرب التى لم تمت فيها فلا أقل من أن تفقد صحتك! وهذه الحرب هى سر بقاء «روزاليوسف» خمسة وعشرين عاما، فى حين أن أى مجلة من مجلات الرأى السياسى لم تستطع أن تعيش أكثر من سنوات لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة.
أما أنى لم أرح والدتى السيدة «فاطمة اليوسف» ولو قليلا فلأنها لا تريد أن ترتاح! وكانت قد شرحت لى منذ اليوم الأول سياسة المجلة، وهى أنها مجلة مستقلة ومستقلة عن جميع الأحزاب وجميع الحكومات وجميع الشركات وجميع الجهات! وفرق كبير بين الاستقلال والحيادة والجريدة التى تقف على الحياد بين الآراء السياسية لا يمكن أن تكون مصرية، وفرق كبير أيضا بين الاستقلال بمعنى التصفيق لكل حزب ولكل حكومة ولكل جهة وبين الاستقلال بمعنى نقد الجميع ومعارضة الجميع!
وقد فهمنا الاستقلال على أنه ليس حيادا وليس تصفيقا، واتفقت على هذا مع السيدة «فاطمة اليوسف» وحارت الحكومات أى منا نحن الاثنين أقل تطرفا أو أكثر تعقلا لتلجأ إليه بالنصيحة والرجاء، وعندما كان يعجز الحكومات ــ حتى حكومات الأصدقاء ــ أن تنصحنا كانت تلجأ إلى المصادرة والتعطيل والشطب والتحقيق، فصودرنا وعطلنا وشطبنا وحقق معنا فى عهد أربعة وعشرين حكومة هى التى تولت الحكم فى خلال خمسة وعشرين عاما».
وللحكاية بقية!