الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المصالحة المستحيلة !

المصالحة المستحيلة !






بين الحين والآخر لا ينقطع الحديث عن المصالحة من جانب تنظيم الإخوان الإرهابى، يظهر ثم يختفى ثم يعاود الظهور مرة أخرى دون إمكانية الإمساك بحركة حقيقية على الأرض تتزامن مع تلك الدعوات، أغلب الظن أنها محاولات تحرش تنظيمى بالدولة المصرية!
إجمالا يمكن توصيف تلك الدعوات بما تحمله من سمات تتمثل فى الآتى:

- صدورها عن قيادات طاعنة فى السن.
- انطلاقها حاملة مشاعر الحزن على حال التنظيم والرغبة فى إنقاذه.
- انطلاقها من مستوى تفكير يضع التنظيم فى حالة ندية مع الدولة المصرية.
- افتقاد كل الدعوات للحديث المباشر والصريح عن مستقبل التنظيم.
- تجاهلها بالكامل لموقف الشعب المصرى ورد فعله، والإصرار على محاولة حصرها بين النظام والتنظيم.
- اتسامها بحالة عرفية لا تفصح عن طبيعة القاعدة القانونية التى يمكن الارتكاز عليها إذا ما افترضنا أن الاستجابة لتلك الدعوات أمر وارد.
- عدم تطرقها لموقف جماعات العنف والإرهاب التى تحالفت مع التنظيم كالجماعة الإسلامية والجهاد وأنصار بيت المقدس وتنظيم أجناد مصر، فهل ستنسحب عليها المصالحة إذا تمت؟ أم أن الجماعة ستتصالح مع الدولة لتدخل فى صراع دموى مع الحلفاء المخدوعين؟!
- عدم إفصاحها عن موقف الحاضن الدولى للتنظيم فى قطر وتركيا وهل يمكن أن تكون الدولتان طرفين فى التفاوض، أم أن التنظيم سيتخلى عنهما؟ أم أنها مناورة متفق عليها؟!
- عدم وجود أى انعكاسات لتلك الدعوات على قنوات الإخوان.
- تجاهلها التام لدماء الشهداء من أبناء القوات المسلحة والشرطة والمدنيين، ومن حرق الكنائس، ومن قتل المصلين.
 إذا سلمنا بصحة تلك السمات التى هى منطقية بالفعل من منطلق قناعات كاتب المقال؛ فإننا نكون أمام المعطيات التالية:
- دعوات المصالحة منفصلة عن القواعد الشبابية التى ما زالت مصرة على العنف؛ وبالتالى حدثت أزمة أجيال داخل الجماعة لن تواجه صعوباتها إلا الدولة التى ستجد نفسها أمام تنظيم شبابى جديد أكثر شراسة بعد أن ألف العنف والدماء ولن يتراجع عن الثأر من الدولة، ولن يكون ملزما بكل ما تعرضه المصالحة.
- خضوع الشباب قهرا لتلك المحاولات وبالتالى نكون أمام تنظيم يمارس دعوة شكلية للمصالحة تضطر لها أجيال ناشئة التزاما بمبدأى السمع والطاعة والتقية، تهدف لاستخدام المصالحة خطوة أولى ليجد التنظيم لنفسه فرصا جديدة لموطئ قدم على أرض الوطن.
- محاولات التنظيم للعودة إلى تماسكه الهيكلى من خلال ما يشبه باتفاق الهدنة طويلة المدى يمكنه من استعادة الصف التنظيمى.
- تعامل التنظيم مع فكرة المصالحة من منطلق قناعات التنظيم نفسه ليس من منطلق ثوابت الدولة.
- دعوة التنظيم للمصالحة تقوم على أساس المساواة بين دماء الشهداء ودماء القتلة من إرهابيى التنظيم.
- منح التنظيم فرصة لإعادة الالتفاف حول نفسه ومعاودة الادعاء أن بعض الأعضاء انحرفوا عن أصل الفكرة الإخوانية التى أطلقها حسن البنا وما زالت هناك فرصة لتقويم هذا الانحراف، وهو محض كذب وخداع لأن فكرة البنّا قامت أساسا على إهدار الدولة الوطنية.
- منح التنظيم فرصة إعادة تدوير ذاته والادعاء أنه صوت عقل وسط الفكرة المتأسلمة التى يستغلها كثيرون لممارسة التكفير والقتل مراهنا على انحسار ذاكرة المصريين سريعا.
- رغبة التنظيم السريعة فى العودة لأرض الوطن وممارسة العمل التنظيمى فورا واستعادة عمليات التجنيد حتى لا تتفلت منه أجيال شبت على إرهابه وتخابره واستقوائه بالخارج؛ فيواجه أزمة مستقبلية لجيل عايش حقيقة وجهه القبيح، وبالتالى يحاول كسب صراعه مع الزمن.
- التنظيم مدفوع من مشغله الدولى للعودة للمشهد المصرى لإعادة استخدامه ورقة ضغط ضد الدولة المصرية فى إطار حركة لإعادة ترتيب مشهد إقليمى.
فى ثنايا تلك السمات وما أفرزته من معطيات لن تجد لمفهوم الدولة محلا فى أى مبادرات سوى أنها وعاء لممارسة المخطط التنظيمى.
 الآن ننتقل إلى مدلولات هذه المصالحة بفرض جدلى غير مطروح أساسا.. لنجد ما يلى:
- مجرد القبول بالمصالحة هو اعتراف من الدولة بتنظيم محظور.
- القبول بالمصالحة يعبر عن حاجة الدولة لوجود مثل هذا التنظيم بمكونه الدينى فى الحياة السياسية؛ وبالتالى فإنها تكون قد انقلبت على الدولة المدنية.
- مجرد الاستجابة لتلك الدعوات هو اعتراف من الدولة بفشل منظومتها التشريعية فى ضبط أمورها.
- إذا كانت المصالحة هى جولة تفاوضية، والتفاوض هو معركة لا صفرية فما الذى يمكن أن تقدمه الدولة للجماعة دون أن تنقلب على قيم ومبادئ ثورة ٣٠ يونيو.
- ليست هناك خصومة أساسا بين الدولة ومواطنيها كى تكون هناك مصالحة، هناك أشخاص وكيانات وضعت نفسها تحت طائلة القانون ولا بد من إنفاذه.
- كيف سنعيد صياغة شرعية ٣٠ يونيو القائمة أساسا على إسقاط التنظيم الإخوانى والتى هى أصل شرعية النظام القائم؟
- كيف ستحافظ الدولة على مصداقيتها وجديتها فى تجديد الخطاب الدينى فى الوقت الذى تعيد فيه استدعاء تنظيم دينى مارس الإرهاب وأراق دماء المصريين؟
- كيف ستسيطر الدولة على استعلاء التنظيم بعد المصالحة والذى حتما فى لقاءاته التنظيمية سيلقن أعضاؤه أكاذيب حول استجابة الدولة للمصالحة تحت ضغوط دولية، فتزيدهم الأكاذيب استعلاء على استعلائهم، وترسخ أوهامهم التنظيمية أنهم طالما كانوا على الحق الذى انتصر فى النهاية، وأن الدولة طالما كانت على الباطل؟!
 إذن كل الطرق تؤدى إلى أن مجرد التفكير فى المصالحة هو إهدار لمعنى ومفهوم وقيمة الدولة.. ثم تعالوا نتجاوز ما الذى يمكن أن نقوله لأسر الشهداء، ما الذى يمكن أن نقوله للأمهات الثكالى أو للأرامل فى ريعان الشباب أو لليتامى الأبرياء؟
بفرض أن الجماعة وقياداتها سيحملون أكفانهم ويطوفون بيوتهم واحدا يلى الآخر، تعالوا نتجاوز كل ذلك وننسى رائحة الدماء الزكية.
لكن ما الذى سنقوله للوطن ولكرامته وكبريائه إذا صحت فرضية المصالحة مع من حكم عليهم نهائيا بالتخابر وباستجلاب عناصر أجنبية دنست أرض الوطن وارتكبت جرائم القتل والتخريب المملوءة بها ملفات القضايا؟ ما الذى سنقوله للقضاء الشامخ الذى وقف فى الصفوف الأولى مدافعا عن وطنه؟
كيف يمكن الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة التى سيصيبها هول الصدمة إذا صحت فرضية المصالحة؟
كيف سنصنف من سيعلن رفضه للمصالحة ويصفها بالخيانة؟ كيف سنحاول نفى صفة الخيانة عمن شارك فى فعل الخيانة؟
وهل سيصب الانقسام الذى سيحدث فى معسكر ٣٠ يونيو إلا فى صالح التنظيم الذى لا يكف عن التربص بالدولة؟
هل سنستطيع السيطرة على التصدع الذى سيحدث فى السلام الاجتماعى جراء المصالحة؟
إذن التنظيم لا يريد المصالحة بل يريد البناء على تداعيات المصالحة بعد أن تنجح محاولاته فى زعزعة الكتلة الصلبة لثورة ٣٠ يونيو، فيعاود الانقضاض على الدولة فى حالتها الهشة بفعل فتنة المصالحة.
فلنتقدم إلى الأمام قليلا نحو المصالحة بفرض أن الدولة قبلت بها، هل ستكون الحوارات بشأنها سرية أم معلنة؟ من الذى سيشارك بها من جانب الدولة وما الوضع القانونى الذى ستقوم عليه أم سيتم رفع الحظر عن الجماعة قبل اللقاء؟
 إذا وصلت المفاوضات لصيغة محددة هل سيتم فرضها على الشعب الثائر فى ٣٠ يونيو لتقول الدولة إننى والتنظيم فى جبهة وثورة ٣٠ يونيو فى جبهة أخرى؟
ما الوضع إذا طرحت المصالحة للاستفتاء ورفضها الشعب؟ حتما سينسحب الرفض على كل من شارك فى صياغة بنودها، فإذا قبلها الشعب فإن على الدولة أن تعتذر للإخوان وتقر بخطيئة توحدها وتحركها فى ٣٠ يونيو، لننتقل من مرحلة الجماعة المحظورة إلى مرحلة الثورة المحظورة.
بعد كل ذلك فلنتساءل ما الضمانات والتعهدات التى يمكن أن يقدمها التنظيم للقبول بالتصالح معه؟ كيف يمكن الوثوق فى تنظيم يحترف الكذب ويتخذه منهجا رئيسيا منذ ما يقارب القرن؟!
كيف ستوثق هذه المصالحة فى التاريخ إلى جانب جرائم التنظيم التى ارتكبها قتلا وحرقا وتبديدا لأرواح ومقدرات الشعب المصرى؟ أم أنه من ضمن بنود المصالحة هو طمس صحيفة سوابق التنظيم وتزييف الوعى المصرى؟
كيف ستتعامل الدولة إعلاميا مع هذه الحالة بعد أن لعب الإعلام دورا فى كشف جرائم هذا التنظيم أم تراها ستطالب جيلا كاملا من رجال الإعلام بالمعاش المبكر ليحل محلهم كتيبة من المؤلفة قلوبهم أكثر قدرة على التعامل مع الحالة الجديدة؟!
فى ظل هذه الدعوات الباطلة تشع طاقة نور ينتشر ضياؤها كاشفا حقيقة زيف وكذب محاولات التنظيم لجس نبض الدولة بصيغ مختلفة، لكن الواقع يقول وبحق إن دولة ٣٠ يونيو لم يصدر عنها ما يمكن تفسيره أو تخيله قبولا لمصالحة أو لحوار أو حتى استماعا لأراجيف، الواقع يقول: إن هذه الدولة تسير فى اتجاهات ومسارات مستقبلية لا تتيح لهذا التنظيم مكانا فى الدولة الجديدة، ولا فى عقل الأجيال الناشئة الشاهدة على جرائم هذا التنظيم فى الشوارع والميادين المصرية، الواقع يفرض نفسه على هذه الدولة أن تتمسك بصفتها كدولة لا تفاوض عصابات، الواقع يقول: إن أجندة الدولة وجدول أعمالها يخلو من أى موعد مع القتلة، الواقع يقول: إننا أمام المصالحة المستحيلة.