
محمد صلاح
«سنابل الأرز.. وكيزان الذرة»
«القمح مش زى الدهب.. القمح زى الفلاحين.. عيدان نحيلة جدرها بياكل فى طين».. بهذه الكلمات وصف الشاعر الكبير صلاح جاهين حال الفلاحين فى ربوع مصر.. التى ارتوت الأرض السمراء من عرق جبينهم لتشرق شمس الحياة بالخير والنماء.
على أكتاف الفلاحين.. قامت أعظم حضارة على ضفاف وادى النيل.. بسواعدهم وعزيمتهم اكتسى الوادى والدلتا باللون الأخضر، وتنتظرهم ملحمة جديدة من الصمود والتحدى لاستصلاح 4 ملايين فدان جديدة تضاف إلى الـ 8 ملايين فدان إجمالى رقعة مصر الزراعية.
يمثلون 55% من نسيج الشعب المصرى، ويقع على عاتقهم توفير الحد الأدنى من الأمن الغذائى، الذى يتبعه بالضرورة استقلال القرار السياسى والاقتصادى.. ولكن لم يجدوا من يساندهم ويطبطب عليهم بعدما أصبحوا مطاردين بين مطرقة جرافات الحكومة وسندان السجن والغرامة، بعد موافقة البرلمان على تعديل قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، والذى يقضى بالسجن والغرامة حال مخالفة قرارات وزير الزراعة بتحديد مناطق زراعة بعض المحاصيل.
لم يكن أمام الفلاح إلا عتاب أصحاب الياقات البيضاء من أعضاء الحكومة والبرلمان، بكلمات الشاعر الكبير بيرم التونسى.. «ليه تهدمونى وأنا اللى عزكم بانى.. أنا اللى فوق جسمكم قطنى وكتانى».. وفى أيام الانتخابات على الأبواب واقفين.. طالبين الدعم والمساندة للوجاهة وجمع الملايين.
على مدار التاريخ.. كان الفلاح وسيظل هو الحلقة الأضعف بين الفئات الاجتماعية.. بل والأكثر صبرا وتحملا.. ورغم ذلك «الشكوى عمره ما قالها إن لاقى أو ما لاقاش».. لم يمتعض أو يعترض أو يقف يوما فى ميدان أو على رصيف الحكومة والبرلمان.
كعادة هذا التوقيت من كل عام.. الفلاح حائر بين «سنابل الأرز»، التى ينتظرها من عام لآخر باعتبارها موسما للحصاد من أجل البناء أو زواج الأبناء، و» كيزان الذرة» التى أدارت لها الحكومة ظهرها، ولم تقدم حوافز للتشجيع على زراعتها، هل يخالف قرارات الحكومة ويزرع الأرز الذى حظرت زراعته فى 18 محافظة، وحددت مساحته بـ 724 ألف فدان فى عدد من محافظات الدلتا، ويصبح مطاردا أمام جرافات الزراعة والرى والمحليات، أو أحكام السجن والغرامات، أم يقبل بالأمر الواقع ويزرع الذرة وينتظر من يصرف عليه، ويبحث عن الأرز فى السوق السوداء.
يبدو أن الحكومة اختارت الحل السهل، رغم البدائل الكثيرة التى كانت أمامها دون وقوع الضرر بالفلاح، وباقى فئات المجتمع، فتقليص المساحات المنزرعة بالأرز سيؤدى إلى ارتفاع سعر الأرز الأبيض الذى يعد أحد المحاصيل الاستراتيجية على مائدة الطعام المصرية، ما يضطر الحكومة إلى استيراده بالعملة الصعبة، بعدما كانت مصر من أولى الدول المنتجة والمصدرة له.
الحكومة كان بيدها أن تجد حلا عادلا ومتوازنا كى لا تحقق الضرر بجميع الأطراف دون التأثير على الأمن المائى، من خلال زراعة أصناف الأرز المبكرة، التى تستمر فى الأرض مدة لا تزيد على 3 أشهر، وتعطى انتاجية أعلى وتستهلك كمية أقل من المياه، كما تحافظ على أراضى الدلتا من الملوحة، التى تتسرب من البحر المتوسط.
والسؤال الأهم أيضا، لماذا تجاهلت الحكومة تعميم تجربة أرز الجفاف والمعروف باسم « أرز عرابى»؟ .. وخصوصا أن المياه التى تستخدم لزراعة 724 ألف فدان، يمكن بها زراعة مليون ونصف المليون فدان، ويتراوح حجم إنتاج الفدان ما بين 4 و 6 أطنان، كما يوفر نصف كمية المياه المستخدمة، حيث يستهلك الفدان 3500 متر مكعب من المياه بدلًا من 7 آلاف متر مكعب فى الأصناف الأخرى.