الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«جرسوهم»

«جرسوهم»






زمان، كان فيه عقوبة اسمها «التجريس»، كان أى شخص يخطئ، أو يرتكب جريمة يتم تجريسه.
فضيحة بجلاجل، كان يحكم بها القاضى، على السارق أو خائن الأمانة أو المختلس، أو حتى الذى يقف على النواصى وأمام مدارس البنات للمعاكسة.
«الجرسة» كانت عقابا رادعا فعلا، وكان ولاد البلد فى الأحياء الشعبية، حتى فترة ليست بعيدة، يستخدمون «التجريس» كعقوبة فورية، لأى شاب يضبط يعاكس، كان ولاد البلد يحلقوا له شعره «زيرو» فيسير وعاره على رأسه!
«الجرسة» زمان  اعتمدها الفاطميون، والمماليك، والعثمانيون، كعقوبة رسمية أحيانا.. وكانت بأن يركب المخطئ حماراً بالمقلوب، ويحلقوا له نصف شاربه ونصف ذقنه، ويدهن وجهه بالقار أو بالجير، وتعلق فى رقبته الأجراس والجلاجل، ويزفه الناس ويدورون به فى الطرقات ليعلم الجميع أنه مذنب ومجرم.
«الجرسة كانت كافيه جدا، لأن يرتدع المجرم، أو على اقل تقدير يحذره الناس، فيتجنبونه.
«التجريس» الذى تحول فى أيامنا هذه إلى انتقام بشع، فى بعض المحافظات كالفيوم التى شهدت تبادل خطف رجال، واجبارهم على ارتداء «قمصان نوم حريمى، والطواف بهم فى الشوارع، أو فى بعض محافظات الصعيد التى شهدت اجبارا على حلق الشارب رمز الرجولة.
هذه الطريقة المتأصلة فى العرب عموما، وفى مصر طورها الناس بعيدا عن القانون، لجأت لها الصين مؤخرا لإجبار المتخلفين، عن تسديد ديونهم وإرجاع الأموال لأصحابها.. السلطات الصينية فى بعض المقاطعات، بثت فيديوهات قصيرة، فى دور السينما قبل بدء الأفلام، تظهر فيها وجوه وأسماء المتخلفين عن سداد يونهم، سواء للدولة أو لأشخاص حصلوا على أحكام نهائية بمستحقاتهم، ولا يجدوا طريقة، لتحصيل أموالهم، وحذرت الأفلام المواطنين من التعامل معهم.. المثير أن «التجريس» جاء بنتائج إيجابية كبيرة، وسعى الكثيرون لتسديد ديونهم، ليرفعوا صورهم من تلك الأفلام.
الحكومة الصينية، بدورها وجدتها فرصة، ووضعت نظاما يسمح بنشر أسماء وصور، وعناوين، وأرقام بطاقات المقترضين، لأموال من البنوك وتوقفوا عن السداد، على القنوات التليفزيونية، كوسيلة ضغط لإجبارهم على رد أموال البنوك.
وسيلة رائعة، وطريقة ضغط مبتكرة بالنسبة للصينيين، قديمة جدا بالنسبة لنا، لكننا لا نستخدمها!
تخيل، وأنت فى السينما، أو تجلس فى بيتك فى انتظار مباراة كرة قدم، أو مسلسلك المفضل، فتجد صور وأسماء لصوص المال العام، ومن تم القبض عليهم بمعرفة الرقابة الإدارية، بتهم الاختلاس، والتزوير، ومن اقترضوا من البنوك، وتلاعبوا فى السداد، والمتحرشين، وأبطال قصص توظيف الأموال التى لا تتوقف، ولا يتعظ أحد منها، رغم أنها عملية نصب واضحة!
تخيل، كيف سيعيش هؤلاء، وكيف سيتعاملون مع الجيران، والأقارب، والأصدقاء، والأهل، وهم موصمون بالسرقة والنهب واستغلال النفوذ؟
تخيل، لو أن هناك موقعا رسميا للدولة، يتم إدراج أسماء كل هؤلاء فيه، ضمن قائمة متاحة على الموقع الرسمى للدولة، ويكون الاطلاع عليها متاحا لكل المواطنين، وبمثابة التشهير، وتتم متابعته بشكل دورى لفترة زمنية معينة.
«التجريس»، لا بد أن نستفيد منه كعقوبة، ولا بد من أن يتطور، ويأخذ شكله الطبيعى، بصدور حكم نهائى، ثم يتم بشكل رسمى من خلال الدولة، وبالتالى، ننقل ثقافة «التجريس» والعار إلى الجانى، وليظل الجرس معلقا فى رقبته معلنا عن جريمته.