الأربعاء 16 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
العشوائيات

العشوائيات






فى مطلع التسعينيات أصدر مجلس الشعب تقريرا مهما للغاية عن علاقة العشوائيات بالإرهاب معتبرا أنها مصدر مهم لإمداد التكفيريين بالعناصر الإرهابية، ثم تبين لنا بعد سنوات طويلة أن العشوائية نمط حياة وتفكير وليس فقط أحياء سكنية.
الإحصاءات والأرقام ونوعية الموقوفين من الإرهابيين كشفت عن خطأ فكرة الفقر أساس الإرهاب، وأماكن إقامة العديد من الإرهابيين وعائلاتهم أوضحت أن علاقة العشوائية بالإرهاب ليست فقط هى السبب الرئيسى.
العشوائية ثقافة تتحكم فى تصرفات البشر، وتحدد أخلاقهم، وترسم طريقة حياتهم وعلاقاتهم بالآخرين، وفهمهم للأحداث وكيفية التعامل معها.
الفوضى فى الشوارع عشوائية، والفوضى فى المرور عشوائية، استخدام الأرصفة لنشر البضاعة عليها وتسويقها للناس عشوائية، انتظار السيارات صف ثان وثالث فى الطريق العام عشوائية، تحول شقق الأدوار السفلى إلى محال تجارية عشوائية.
نحن نعيش فى قلب العشوائية، وكل تفاصيل حياتنا تؤكد أننا بعيدون كل البعد عن ثقافة النظام والانضباط والالتزام بالقواعد العامة.
هذا الابتعاد هو الذى يفسر لنا مقاومتنا لكل تشريع يصدر أو قرار تنفيذى يتم إعلانه يهدف إلى تنظيم العلاقات بين الناس وإرساء قواعد القانون.
نحن لا نقبل أبدا إعادة رسم قواعد حياتنا وترتيبها وتنظيمها من جديد ونعتبر ذلك بمثابة قيود تفرضها الدولة رغم أن الأمر لا يخرج عن كونه مواجهة الخطأ وإعادة ترسيخ القواعد الصحيحة للعلاقات.
العشوائية تسببت فى أننا لا نعرف من يعمل إيه بالضبط؟! الفنان تحول إلى إعلامى، والإعلامى تحول إلى ممثل، والرياضى أصبح فنانا، والمحامى أصبح محللا سياسيا، وناس فاضية «لامؤاخذة» حصلت على لقب مستشار أو ناشط  و«بتفتى» فى كل حاجة.
أنت لا تعلم فعلا «من يفعل ماذا» لأن القواعد غابت، وغياب القواعد يعنى انتشار السطحية،والعشوائية تفشت وهذا معناه تفشى الفوضى، فتصبح حياتنا كلها حالة من الفوضى.
لذلك فإن الجهود العظيمة التى تقوم بها الدولة لمحاصرة ظاهرة العشوائيات والقضاء عليها ستحقق أغراضها فى مواجهة عشوائيات البناء، لكننى أظن أنها  لن تؤتى ثمارها فى محاصرة عشوائيات الثقافة والفكر والوعى والسلوك.
نحن فى احتياج إلى رؤية وتصورات وبرامج لمواجهة العشوائيات المتفشية فى مصر، وعمن يجب نشرها فى عقول الناس باستدعاء الإيجابيات لإحلالها بديلا عن السلبيات.
مواجهة العشوائيات مسئولية مشتركة تحتاج إلى تضافر جهود وعمل مشترك سياسى واقتصادى واجتماعى و ثقافى ودينى، وأساسه الأفكار والإبداع قبل أى شىء آخر.
مواجهة العشوائيات تحتاج إلى عمل احترافى ومهنى أكثر منه وظيفى، هى مواجهة تحتاج من يؤمن بها  يشتبك معها وليس من يتحدث عنها ويُحلل فى عناصرها.
أساس مواجهة العشوائيات قصور الثقافة وبيوت المسرح ومراكز الشباب وكل أماكن التجمعات الشبابية والشعبية وليس المكاتب وبرامج التوك شو ومقاعدها الوثيرة.
أساس مواجهة العشوائيات إرادة سياسية صارمة.