
حازم منير
خطوة على الطريق
موافقة مجلس النواب على مشروع قانون زيادة المعاشات يمثل خطوة مهمة فى رعاية مصالح محدودى الدخل والاهتمام بأوضاعهم الاجتماعية والمعيشية بعد أن آتت ارتفاعات الأسعار وسياسات التحرير الاقتصادى على ما تبقى من قدراتهم الشرائية.
صحيح أن الزيادات التى أقرت فى القانون الجديد لا تعادل ارتفاعات تكاليف الحياة، بل مازالت أقل منها بكثير لكنها فى الوقت ذاته تحمل مؤشرات مهمة على رؤية الحكومة لمجمل الأوضاع، وتوافر الإرادة على تصحيح المسار بصورة متدرجة.
وإذا كانت الزيادات فى المعاشات على المستوى الفردى تبدو ضئيلة إلا أن إجمالى حجم الزيادات يمثل رقمًا ضخمًا فى الموازنة العامة للدولة، وصحيح أن الحد الأدنى للمعاشات ارتفع من 500 جنيه إلى 750 جنيها بنسبة 50% لكن يظل الرهان على توافر الإرادة فى تطبيق إجراءات اجتماعية خاصة بالسلع والخدمات تتيح مزيدًا من الدعم لقدرات أصحاب المعاشات على مواجهة أعباء الحياة.
لا يمكن تجاهل الحال العام للدولة، فزيادات المعاشات الضئيلة يبلغ إجمالى كلفتها فى الموازنة العامة للدولة 23,4 مليار جنيه يستفيد منها 9,5 مليون مصرى يعيلون نحوخمسة وأربعين مليون مواطن يمثلون قرابة نصف عدد السكان فى البلد، وهورقم مذهل.
هذه الأرقام الرسمية تعكس حال المستويات الاجتماعية فى البلاد وتؤشر إلى الضرورة الملحة لإجراءات تنفيذية عاجلة تتعلق بمواجهة الارتفاعات المتوقعة للأسعار عقب الإعلان عن هذه الزيادات وقبل تنفيذها بالفعل.
الأوضاع الاقتصادية تشير إلى أن تحقيق إصلاح سريع فى الأوضاع الاجتماعية لغالبية المصريين أمر مستبعد والوسيلة الممكنة هى الإجراءات التكميلية للزيادات النقدية، وهى الإجراءات المتمثلة فى المزيد من الحماية والرقابة على الأسواق، وتولى مسئولية طرح جانب من السلع الأساسية عبر منافذ حكومية.
مشكلة المعاشات فى مصر مشكلة بالغة التعقيد، وهى تمثل واحدة من الأزمات المزمنة فى البلاد، وهى ليست مسئولية الحكومة القائمة أوالسابقة، إنما هى نتاج « سيستم « عقيم تم إقراره منذ سنوات طويلة أسس لفكرة الدخول الرسمية والدخول الفعلية، فرفع من الرواتب بينما تسبب فى انخفاض المعاشات المستحقة، فضلًا عن السياسات المتضاربة للحكومات المتعاقبة فى التعامل مع مشكلات المعاشات وتوظيفها فى مصارف غير مجدية لأصحاب المعاشات قدر ما هى مجدية للحكومات ذاتها.
لذا يحتاج ملف المعاشات إلى تعامل خاص ورؤية شاملة غير تقليدية ترصد جذور المشكلة وسبل علاجها على المستويين القريب العاجل والبعيد المتدرج، بما يعيد لأصحاب المعاشات حقوقهم ويمنحهم الرعاية التى يجب على المجتمع توفيرها لهم.
وستظل مشكلة حكم القضاء الإدارى لصالح أصحاب المعاشات بضم أربع علاوات عقبة معلقة فى تعامل الحكومة معهم، ولا يجدى حديث الحكومة عن طعن تقدمت به، إذ إن الحكم الصادر لا يجوز الامتناع عن تنفيذه حتى لو تم الطعن عليه.
اعتقد أن الاستقرار الاجتماعى والسلم والأمان المجتمعى أغلى بكثير من بضعة مليارات ستتحملها الحكومة جراء تنفيذ هذا الحكم، واعتقد أن الانطباعات الإيجابية وشعور المواطنين بالثقة فى دولتهم إذا ما تم تنفيذ حكم القضاء أهم بكثير جدًا من تحميل الموازنة العامة بأعباء هى فى النهاية محدودة للغاية.
زيادات المعاشات خطوة على طريق رد الاعتبار لمن أنفق عمره فى خدمة الوطن.