الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مذكرات عاملة تليفون عمرها مائة سنة!

مذكرات عاملة تليفون عمرها مائة سنة!






جيل هذه الأيام لا يعرف أيام المجد والعز التى كان يتمتع بها «التليفون الأرضى» فى بيوتنا،  ولن يعيشوا سنوات انقطاع الحرارة عن التليفون بالأيام؛ وسوف يندهشون عندما يعرفون أن دخول التليفون لأى منزل كان يستغرق عدة سنوات.
أبناء هذه الأيام لا يعرفون مثلا أن دخول التليفون إلى بيت من البيوت كان كارثة منذ مائة عام تقريبًا!
وعن بداية دخول التليفون مصر وما صاحبه من تغييرات اجتماعية يروى شيخ الصحفيين الأستاذ «حافظ محمود» فى مقاله “مذكرات عاملة تليفون” هذه الحكايات.
تقول صاحبة المذكرات: «كنت واحدة من عشر فتيات مصريات عينت فى الدفعة الأولى بين عشرات من الفتيات الأجنبيات وكان ذلك بعد قيام ثورة 1919، وبعد فترة من المران اختصونى بسنترال لاظوغلى حيث توجد فى هذه المنطقة غالبية دواوين الحكومة فضلا عن امتداد السنترال إلى حى جاردن سيتى الذى كان لا يسكنه من قبل غير الأجانب ثم بدأ يزحف اليه بعض الأسر المصرية الموسرة والمتطورة اجتماعيًا!
لقد كانت الأسر المحافظة وما كان أكثرها فى سنة 1921 وما بعدها من العشرينيات ترى أن دخول التليفون إلى بيت من البيوت كارثة.
ومن الطرائف التى سمعتها آن ذاك ان اقطاعيًا كبيرًا من رجال الريف له ولد يعيش فى القاهرة، ومع أن هذا الولد كان شابًا متزوجًا وله من زوجته طفلان، إلا أن أباه حين يحضر إلى القاهرة لزيارته كان «الولد» ينزع جهاز التليفون من مكانه ويخفيه فى أحد الدواليب طيلة أيام زيارة أبيه!
وأكثر من هذا طرافة أن رب أسرة كانت تضطره أعماله لأن يكون بمنزله تليفون، فإذا ما عزم على مغادرة المنزل «كتف» جهاز التليفون بالسلاسل حتى لا يستعمله البنون والبنات فى غيابه! ومع هذا فإن البنين والبنات لم يعدموا حيلة لفك أسلاك التليفون واستعماله، ثم إعادة ربطه بالسلاسل قبل أن يعود رب الأسرة!
وتضيف: إن كلمة سنترال آن ذاك كانت تطلق على عاملة التليفون، وكان المشترك يدير يد التليفون فى بيته أو فى مكتبه فترفع عاملة التليفون السماعة وتتلقى منه «النمرة» التى يطلبها ثم تطلبها له، أى كانت السنترال بمثابة سكرتيرة خاصة لجميع المشتركين وسماعة الجهاز ملتصقة دائما بأذنيها، فأى مكالمة تجرى بين نمرتين تمر بأذنها سواء أرادت أو لم ترد!
كانت أول مكالمة تتذكرها عاملة التليفون بين شاب وفتاة يطلب منها أن يراها - مجرد الرؤية- واتفقا على المكان وهو أحد المحلات الشهيرة لبيع الملابس وقالت له: سأطيل الوقوف بجناح الأقمشة الصوفية حتى أراك وترانى دون أى اشارة فأجابها: متشكر جدًا وكفانى إشارة العيون!
وتضيف: أما فى اليوم التالى فقد كان حظى من المكالمات خطيرًا لقد سمعت رجلا يقول للآخر: ان «سعد باشا» - سعد زغلول- قد اعتقل، اعتقله الانجليز سرًا دون أن يعلم أحد حتى الآن، والصحف ممنوعة من النشر، فأبعث بالخبر إلى كل لجاننا فى أحياء القاهرة وسائر الأقاليم.
وفجأة وجدت نفسى اشترك فى عمل وطنى فقد كنت كلما التقيت إنسانا لا اتمالك نفسى من أن أبلغه بالخبر، لكننى كنت أتعجب حين كنت التقى أناسا سمعوا بهذا الخبر قبلى، لقد كانت هناك صحافة بشرية متنقلة تذيع أنباء الثورة بأكثر مما تذيعها الصحف.
إن وظيفتى التى كنت استمتع فيها بسماع أخبار الناس أصبحت ثقيلة على نفسى وزاد من ثقلها أن السن تتقدم بى بلا زواج، فقد كان زواج عاملة تليفون آن ذاك أمرًا عسيرًا».
لكن الصدفة جعلت عاملة التليفون تحتد على أحد المشتركين وأخذ يتحرى عنها ثم تقدم ليطلب يدها وكان هذا المشترك هو مهندس التليفونات الجديد!
وللحكاية بقية