
حازم منير
الإعلانات والأخلاق العامة
كثافة الإعلانات فى شهر رمضان الكريم كشفت عن سوءات وعورات خطيرة فى أخلاقيات الإعلانات واستغلال الأطفال والعجائز، أو الإساءة للناس وإثارة الضغينة بين عناصر المجتمع المختلفة.
لا أتصور أبدًا فى أى بلد من العالم يخرج معلنون بمادة إعلانية يتهمون أبناء بلدهم بالسفر للخارج لمشاركة رجال العصابات فى الاتجار بالعملة والإضرار باقتصاديات البلاد الأخرى، لمجرد أنك ترغب فى التسويق لسلعة فتصبح النتيجة إهانة أبناء بلدك والإساءة لهم من دون مبرر.
ولا يقف الأمر عند هذه الحدود بل يتجاوزها إلى الإساءة للعلاقة بين الرجال والنساء، أو بين العاملين ورؤسائهم، بإظهار سيدات يتهمن أزواجهن بألفاظ مسيئة ومثيرة للغضب ويظهر الرجال فى المقابل فى مظهر الخائف الخانع، أو أن يتهم موظفون مديرهم بصورة غير لائقة ومسيئة، والهدف أن تبرئ نفسك من الاتهامات بشراء السلعة المٌعلن عنها، وكأن كل وسائل التسويق والترويج انتهت ولم يعد لدينا سوى سلاح الاتهام والإساءة للغير.
إذا كانت قواعد الإعلان تقتضى عدم الإساءة أوالتقليل من شأن سلعة منافسة أومنتج آخر, فالأولى أن يحترم الإعلان الشعب ويمتنع عن الإساءة له، أوتقليب أبناء البلد ضد بعض، أوالإساءة لفئة من فئاته.
فى العام الماضى تقرر وقف إعلان عن مُنتج وطنى استخدم الأطفال الرضع بألفاظ وإيحاءات وإشارات اعتبرها المسئولون وقتها مسيئة للأخلاق العامة، والحقيقة لا أعلم إذا تقرر ذلك فى مواجهة ألفاظ فما العمل فى مواجهة اتهامات وإساءات.
الحق لا أفهم استئجار أطفال «موديلز» للظهور كأبناء لمرضى أومصابين واستغلال دموعهم ومشاعرهم التمثيلية فى استثارة مشاعر الناس باعتبار هؤلاء الأطفال من المكلومين المحرومين من حنان أمهاتهم أوالمهددين بفقدها بسبب المرض وهم فى الحقيقة مستأجرون يؤدون أدوارًا تمثيلية، وهى ظاهرة متكررة فى الكثير من إعلانات التسول المسماة بإعلانات التبرعات، سواء مع أطفال أوعجائز نساء ورجال.
غياب أخلاقيات الإعلانات تبدو واضحة تمامًا فى إعلانات التسول، فالمفترض فى إعلانات التبرعات وأعمال الخير أن يقوم عليها فنانون وفنانات يستخدمون تأثيرهم المجتمعى فى دعوة الناس للتبرع لأفعال الخير، فيعلم الناس من الإعلان أنه دعوة للتبرع ولا يكتشف بعدها الخدعة التى وقع فيها واستخدام «موديلز» لخداعه وإثارة مشاعره.
ورغم أهمية مشاركة الفنانين والفنانات فى دعوات التبرع لأعمال الخير والبر، إلا أنه من غير اللائق ويمثل خروجًا على القيم مشاركتهم فى إعلانات الترويج لمشروعات أوسلع وخلافه، خصوصًا تلك التى مازالت تحت الإنشاء أومجال الإنتاج بما قد يؤدى إلى الزج بالمستهلك فى مسار غير مأمون المستقبليات.
الحاصل أن سوق الإعلانات يسوده الفوضى كما تسود فى الأسواق العامة وقطاعات عدة مازالت تنتظر صياغة قواعد وأسس تُنظم عملها وتضبط إيقاعها وتوفر الضوابط اللازمة لحماية المستهلك من ناحية وقيم المجتمع وأخلاقياته وثوابته من ناحية أخرى.الأولوية للمجتمع وليس للتسويق والترويج فحماية حقوق الناس أولى وأبدى.