
حازم منير
نحن وكأس العالم
دائما ما نلجأ نحن المصريين إلى تضخيم الأمور حزنا أو فرحا، سلبا أو إيجابا، ثقة أو تشكيكا، ومن النادر للغاية أن نضع الأمور فى نصابها، ولذلك ففى الأغلب ما نسقط فى دوامة الحزن والأسى والغضب جراء سوء تقديرنا وإصرارنا على قلب منطق الأمور.
ومن بين مشاعر التضخيم تلك الحالة التى عايشناها جميعا الأسبوع الماضى بعد النتائج التى حققها منتخبنا الوطنى فى منافسات كأس العالم لكرة القدم وخروجه المبكر وعدم تمكنه من اجتياز الدور الأول للحاق بالدور التالى.
الحاصل أننا لعبنا مباراة، ولاحظ «لعبنا» هى كلمة لعب أى تسلية وترفيه، وهى مباراة أى منافسة بين متنافسين اثنين وليس عدوين اثنين، أى لعبنا وتنافسانا بروح المودة والتسامح حيث خرج أحدنا مهزوما وخرج الثانى فائزا وانتهت اللعبة.
الموضوع بعيد تماما عن الروح والحالة التى سادت، لا حديث للإعلام إلا عن المباراة والفوز والانتصار وروح الفانلة ومصر غالية على، ومصر هى أمى، وأبناؤنا المقاتلون جاهزون لخوض غمار المواجهة المصيرية، حتى أنك تشعر بروح استعداد قريبة من تلك التى سادت قبل حرب أكتوبر مباشرة.
فى حقيقة الأمر المسألة أبسط من ذلك بكثير، ولولا هذه الضجة التى أُثيرت وعملية تضخيم الذات التى مارسناها، وهذا الحشد التعبوى غير المبرر، ما كان رد الفعل هكذا، وما كانت مشاعر الحزن التى سيطرت علينا، وما كان إحساسنا بالمرارة التى أصابتنا جراء خسارة مباراة، اعتبرناها مسألة حياة أو موت.
يا سادة يا كرام لعبة كرة القدم أصبحت صناعة ومهنة لها قواعدها وحساباتها وخبراتها ووسائلها، وهى ليست كرة مستديرة وأحد عشر لاعبا يجرون خلفها متنافسين مع نظرائهم من الفريق الثانى.
هل تعلمون ما معنى غياب 28 عاما عن المسابقة؟ إنها تعنى خسارة خبرة منافسات طويلة ممتدة على مدار سبع دورات اكتسبتها الفرق الأخرى التى اعتادت على المشاركة فى المسابقة كل أربعة أعوام، ومسألة الخبرة ليست كلاما أو رقما نردده إنما ذات معانى أكثر عمقا وتأثيرا مما نتخيل.
كنت أتصور أن نتحمس للمباراة ونشجع فريقنا بقوة، لكن أن تصيبنا هيستيريا فهذا يؤكد أننا متهورون، تسيطر علينا مشاعرنا، فاقدون للخبرة والقدرة على تحديد الأمور فى نصابها، لذلك كانت النتيجة إهالة التراب على إنجازات كثيرة تحققت وأصابت جيلا بالإحباط، وبعد ما قمنا بتضخيم الحالة الإيجابية نعيش الآن فى تضخيم حالة سلبية فى المقابل.
المؤكد لدينا مشاكل عديدة فى الإدارة، ومشاكل فى التطوير، ونقص فى الخبرة جراء الغياب عن المسابقات الدولية، وهى خبرة تلعب دورا مهما فى المنافسات على الأرض، ولدينا فى المقابل مكاسب كثيرة وإيجابيات عدة مطلوب تطويرها وتعظيمها.
لا يجب أن ننساق وراء تضخيم أوتهويل المشاعر، إنما ننساق وراء خطط موضوعية ترصد واقعنا وإمكانياتنا وقدراتنا وتحدد مستهدفاتنا، لنبنى مستقبلا أفضل نكتسب به مكانة خالية تنتظر صاحبها.