بناء الإنسان المصرى (1)
لاشك أن المثقفين المصريين ظلوا ينتظرون كلمة ثقافة فى أى خطاب حكومى سنوات وسنوات، حتى أنه قد ترسخ لديهم يقين أن «جوبل» وزير هتلر سوف يغتالهم جميعا وظل حاضرا فى أذهانهم طوال الوقت، وأن مسدسه جاهز لكى يطلق رصاصاته الغادرة بالثقافة والمثقفين كى يستريح منهم ويريح بالطبع هتلر، لكنهم قد تفاءلوا خيرا بالدستور المصرى الذى أكد على إتاحة الثقافة لكل مواطن، شعروا بحالة من الاطمئنان أن رأس الدولة الرئيس عبدالفتاح السيسى قد وصى أكثر من وزير خيرا بأن يهتم بالهيئة العامة لقصور الثقافة والشهادة أن الدولة قد زادت ميزانية باب سادس إلى 180 مليون لبناء قصور جديدة بالقرى وأسندت إلى جهاز الخدمة الوطنية أن يقوم بتلك المهمة على ألا يزيد بناء القصر عن 6 ملايين جنيه فقط؛ كى نتوسع ثقافيا فى كل مصر بمواقع بسيطة تكون نقطة انطلاق لنشر كل ألوان الثقافة فى كل ربوع مصر، حتى وصلنا إلى بالمواقع الثقافية إلى حلايب وأبورماد وتم تجديد قصر ثقافة الشلاتين وتستعد الهيئة الآن لافتتاح قصر ثقافة رأس حدربة.
لاشك أن وزارة الثقافة لديها مواقع معقولة فى كل مكان، وبقليل من التعاون بينها وبين جهات أخرى بالوزارة وخارجها تستطيع أن تقوم بدورها، لكنها تحتاج بالطبع إلى الميزانيات التى تنتج بها النشاط، فلا يمكن أن يكون لدينا الماكينة التى تنتج القماش ومعطلة نظرا لعدم وجود الغزل، لذا وجب أن تتحول الميزانيات قليلا لبناء الإنسان المصرى كما أكد الرئيس فى خطابه؛ فهل يجد هذا المواطن ثقافة تنير عقله وتسمو بروحه وتعظم قيمه؟ هل يجد تعليما يمكنه من أن يجد فرصا حقيقية ومناسبة فى الحياة؟ هل يتمتع أخيرا بصحة جيدة ولا يشعر بالخوف من المستقبل إذا مرض، فلا يقاسى الأمرين حتى يجد حقنة أو سريرا فى مستشفى دون أن يكون قد كلم طوب الأرض ليتوسطوا له، تلك كلها خدمات ضرورية ومهمة وملحة.
لذا وجد هدف بناء الإنسان المصرى الذى أطلقه الرئيس فى خطابه بعد أن قرأ اليمين الدستورية قبولا كبيرا من جانب كل المهتمين بالثقافة وكل من يعملون بها، شعروا أن فى الأفق بادرة خير عليهم أن يتمسكوا بها وينتظروا، وأتصور أن علينا جميعا أن نبحث عن طرق جديدة للوصول لبناء الإنسان المصرى ثقافيا محاولين أن نعيد تدوير المتاح من ميزانيات فى أيدينا فضلا عن دعم الدولة والمؤسسات الأخرى لكى نعيد تقديم الخدمة الثقافية بشكل جديد وملائم لتلك المرحلة المهمة.
لاشك أن وضع هدف بناء الإنسان على رأس الأهداف الأربعة التى حددتها مصر فى خطتها 2030 لوزارة الثقافة أمر نأمل أن يأخذ بنا إلى آفاق أرحب لعمل ثقافى يليق بمصر، سوف نجد بالطبع ثماره لو حاولنا تحقيق الهدف الثانى الذى يهتم برفع كفاءة المؤسسات الثقافية الموجودة، ورفع كفاءة العاملين بها من خلال خطة طموحة لتدريبهم وتثقيفهم بما يجعلهم قادرين على التفاعل مع تلك المرحلة المهمة، كما أكدت الدولة على دعم الصناعات الثقافية كهدف ثالث مهم لزيادة الدخل القومى وكعامل مساعد كان يدر على مصر الكثير من الدخل القومي، فصناعة مثل السينما كانت واحدة من الصناعات التى كانت تلى القطن فى النصف الأول من القرن العشرين، وكان المسرح والدراما المصرية أدوات مصرية لدعم الدولة بقوة من خلال تواجدها على الشاشات العربية، فضلا عن الحرف المصرية التى تتميز بها مصر، ويأتى الهدف الرابع الذى يهتم بدعم وتعزيز التراث المصرى المتميز والمتنوع كأحد أهم الأشياء التى تمتلكها مصر.
وختاما أرى أن مصر سوف تعود ثانية لريادتها وقوتها الناعمة الفاعلة فى المنطقة والعالم لو حاولنا تحقيق هذه الأهداف الأربعة التى تهتم بالإنسان والمؤسسة والصناعة الثقافية وتعزيز التراث، والسؤال المهم، كيف نحقق تلك الأهداف؟