الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دموع روزاليوسف!

دموع روزاليوسف!






كانت السيدة «روزاليوسف» تنتظر بفارغ الصبر صدور العدد الأول من جريدة «روزاليوسف» اليومية التى حددت له موعد 25 فبراير سنة 1935 كى تثبت لكل من حذرها من عواقب التجربة أن «روزاليوسف» راسخة لا تضعف ولا تموت بعد خلافها الشهير مع حزب الوفد!
وعن ليلة صدور العدد الأول تحكى مشاعرها قائلة:
«وجاء اليوم الحاسم ومنذ الصباح الباكر ازدحمت الإدارة التى لم تكن تزيد على سبع غرف بهذا الحشد الهائل من الكّتاب والمخبرين والفنانين، وكانت أسرة المجلة الأسبوعية قد انكمشت فى غرفتين فقط تاركة الخمس حجرات الأخرى لأختها اليومية الكبيرة.
كنت- أنا- أجلس فى غرفة واحدة مع «العقاد» والدكتور «عزمى» ـ رئيس التحرير ـ يجلس ومعه سكرتير التحرير «توفيق صليب» وزكى طليمات مع الدكاترة رؤساء الأقسام، والأربعون محررًا يحتشدون فى الصالة وبقية الحجرات، والفراندة قد جلس فيها الرسام ـ رفقى ـ وبعض موظفى الإدارة، وبالقرب من المطبخ جلس المصور «محمد يوسف» وكل محرر يبحث لنفسه عن مكان فى الصالة، أو فى حجرة التليفون أو فى أى مكان يجد فيه موضعًا لقدم!
ومن حجرة العقاد كان يرتفع صوته الجهورى، ومن حجرة أخرى تتصاعد فكاهات كامل الشناوى يرددها ضحكات كبار الوفديين الحاضرين، و«محمود عزمى» غارق بين المقالات والأخبار والفاكهة التى ألزمه الطبيب بتناولها اتقاء لمرض السكر.. والزوار والمشجعون من جميع الهيئات لا ينقطع سيل ورودهم ولا يخف!
وكنت أقف فى وسط هذه الدوامة مضطربة بعض الشىء لا تستقر عيناى على واحد من هذا العدد الهائل من رجال الصحافة الذين يعملون كخلية النحل.. وكنت ربما أدق الجرس لأستدعى محررًا ثم لا أصبر حتى يجىء فأذهب إليه قبل أن يبرح مجلسه لما كان شعورى كمن ضغط على مفتاح آلة هائلة، فلما تحركت الآلة وارتفع صوتها وقفت أتأملها فى مزيج من الفخر والقلق!
وكان الأستاذ «عبدالقادر حمزة» قد أحاط المطبعة بعدد هائل من العمال كى يراقبوا الداخلين والخارجين الذين جاءوا من الصحف الأخرى يتجسسون على أنباء الجريدة الجديدة!
وطلب منى «عبدالقادر حمزة» أن أدير الماكينة لأول مرة.. فأدرتها ومضت الآلات تدوى وتخرج من باطنها الأعداد المتتابعة وسقط أول عدد فى يدى، فتحت والدموع تتساقط من عينى، واسترحت وهدأت أعصابى قليلاً!
وتسرب ضوء الفجر من نوافذ مطبعة البلاغ، وبدأ بعض الساهرين ينصرفون وجيش من باعة الصحف يتجمع حول المطبعة شيئًا فشيئًا وهمس فى أذنى أحد الحاضرين يقترح علىّ أن أخرج إلى المدينة لأشهد ظهور الجريدة فى السوق، وخرجت من المطبعة وخلفى جيش طويل من المحررين إلى كازينو البسفور فى ميدان باب الحديد بوصفه أكبر ميدان فى القاهرة، ولم نكد نجلس حتى شعرنا بالجوع فجأة ـ أو بالأصح تذكرناه ـ فأسرعنا نطلب الطعام.
ولم أمض فى تناول الطعام، فقد كان يجب أن أذهب إلى البيت وأستريح فبعد ساعات يجب أن استعد لإصدار العدد الثانى.
عدت إلى البيت حوالى الساعة السادسة صباحًا بعد أن اطمأن قلبى إلى أن الجريدة اليومية قد ظهرت كما أحب وأنها الآن فى السوق ينادى عليها الباعة ويتخاطفها القراء، وكان فى وهمى أن أنام ساعتين أو ثلاثًا قبل أن أعود إلى مكتبى واستعد لإصدار العدد الثانى!».
وللحكاية بقية.