الخميس 17 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
المصريون وعصر الشموع

المصريون وعصر الشموع






أعتقد أن الشعب المصرى أكثر شعوب العالم فى خبراته وتجاربه، ومبعث هذا التوقع لا يرتبط بدوافع شيفونية أو تعصب لمصريتى، وإنما يقينا هو مرتبط بأحداث كثيرة وعميقة التأثير عبر التاريخ  وفى ملفات كثيرة ومتعددة.
لا يمكن لى أن تُمحى من ذاكرة المصريين تجربتهم مع الكهرباء، وهى لا تقل فى أهميتها بل هى تزيد عن تجربة المصريين مع الصرف الصحى عقب نكسة يونيو وحتى أواخر الثمانينيات، لكن الأخيرة أبدا لم تتطلب من المصريين إجراءات إبداعية كتلك التى تعاملوا من خلالها مع الكهرباء.
الحاجة أم الاختراع، ولأنك لا تستطيع التعامل من دون الكهرباء، ولأنها فى داخل بيتك مباشرة، ولأنها مسئولة عن تشغيل مواتير المياه ومن دونها فلا فارق بينك وبين سكان الصحراء، وهى مسئولة عن تشغيل المراوح وأجهزة التكييف ومن دونها تعيش حياة قاتلة، وعليك وسط كل ذلك أن تصعد إلى منزلك  سيرا على الأقدام بسبب تعطل المصعد وأشياء أخرى كثيرة.
فى مواجهة الأزمة التى كانت تتكرر يوميا خمس أو ست مرات، وتمتد فى كل مرة لنحو ساعة أو اثنتين، كان مستحيلا تحمل هذه الحالات المتكررة لأشهر سواء فى الصيف أو الشتاء، خصوصا أن المسألة تجاوزات قدرات البشر إلى تراجع العمليات الإنتاجية وتوقفها تماما احيانا، وتطلب الأمر تصرفات استثنائية وخاصة.
أبدع المصريون كعادتهم دائما فى الأزمات، تنوعت أحجام الشموع للاستخدام حسب الحاجة ليلا أو نهارا، فى غرف الطعام والاستقبال أو فى غرف النوم والمطابخ والحمامات، أصبحت علاقة المصرى بالشمعة علاقة وطيدة بعد عهود طويلة من الهجر، وبات التجار يعانون من ارتفاع الطلب على الشموع، وأصبح المواطن يحتاج لتسهيلات من البائع بحجز كيس شموع خصوصى «على جنب»، وأصبحت طلبات الزوجات من أزواجهن شراء شموع عند عودتهم للمنزل بعد أن كانت شراء طعام أو مشروبات وخلافه وأصبحت الشموع جزءا من الأسرة المصرية تلقى رعاية خاصة للحفاظ عليها فقد تحولنا وقتها فعلا إلى عصر الشموع .
أما الإضاءات الأكثر انتشارا فقد شاهدنا إبداعات غريبة، لمبات طويلة بديلة تعمل تلقائيا فور انقطاع التيار، أو لمبات صغيرة للاستخدام المحدود الانتشار، وبطاريات صغيرة للجيب للاستخدام لو انقطع التيار أثناء صعودك للمبنى، ونجفة تضم مجموعة من اللمبات للإضاءة التلقائية، وامتد الأمر إلى مولدات كهربائية صغيرة لتشغيل أجهزة التكييف أو لإضاءة بديلة فى كل أرجاء المنزل لحين عودة التيار مجددا.
كل هذه التنوعات فى أشكال وأدوات التعامل مع انقطاع التيار الكهربائى تشير إلى عمق الأزمة وخطورة تأثيراتها التى تجاوزت البيوت بالقطع إلى المشافى والوحدات الطبية ومواقع الإنتاج الصناعى، وجميع مواقع العمل من دون استثناء، وهى المظاهر التى احالت الموضوع من معاناة مواطنين إلى معاناة دولة بكل عناصرها وتفاصيلها.
نعيش الآن صورة مغايرة تماما وكما يقولون مختلفة 180 درجة، عدنا لحالة الهجر مع الشموع وبطاريات الكهرباء والمولدات الصغيرة، واختفت من أذهاننا صورة الإظلام مع انقطاع التيار، لم يعد هناك تباين فى انتشار الكهرباء بين عاصمة ومحافظات أو بين مدينة وأخرى وكل هذا فى أربع سنوات فقط.
ملف الكهرباء من الإنجازات المضيئة فى تاريخ مصر التى تتحدث عن نفسها.