
حازم منير
الضريبة العقارية
الصدفة وحدها جمعت بين تصاعد الحديث عن قانون الضريبة العقارية وبين اتساع أحاديث الناس عن الشائعات وأثرها على المجتمع، واعتقد لواجتهد أى عبقرى فى إبداع فكرة وتصورها العملى فإنه لن يتمكن من تجهيز حالة مثل التى نعيشها الآن.
بداية الشائعات المحيطة بالضريبة العقارية أن الحكومة أصدرت تشريعا جديدا لتحصيل ضرائب على العقارات، ثم اتسع الأمر للحديث عن امتداد الضرائب على كل العقارات والوحدات السكنية بغض النظر إن كنت مالكا أو مستأجرا وحدة صغيرة أو كبيرة.
فى المرحلة الثانية امتد الحديث إلى أن المحكمة الدستورية العليا أبطلت عام 1993 الضريبة العقارية، ونشر قانونى معروف هذه الواقعة فى موقع معروف بانتماءاته الإخوانية تحت عنوان «خبيث» يقول: «المحكمة الدستورية ترفض الضريبة العقارية»، رغم أن القانونى أكد أن هذا الرفض يتعلق بعام 1993 وليس القانون الحالى.
الأهم أن هذا العنوان المعروف فى مهنتنا بـ«الصحافة الخبيثة» التى تستند على معلومات يتم تحريفها لغويا، تحول من معلومات تتردد عن حكم صادر عام 1993 إلى خبر جديد يتم ترديده بكثافة عبر مواقع التواصل الاجتماعى بعد تحريفه ثانية ليصبح «المحكمة الدستورية ترفض الضريبة العقارية» وهذه المرة فى سياق أن المحكمة أصدرت حكما فعليا.
المفارقة التى لم ينتبه لها الناس ولن ينتبهوا لها لأنهم غير متخصصين فالحكم المشار له والصادر عام 1993 يتعلق بقضية فرض ضرائب على أرض فضاء وليس على العقارات، وبالتالى فإن الاستشهاد به إما جهل بالقانون وأحكام القضاء أوأمر متعمد لإثارة الالتباس والبلبلة بين الرأى العام.
المفارقة الثانية أنه لا توجد قضية أمام المحكمة الدستورية العليا فى هذا الصدد حتى يصدر فيها حكم ببطلان الضريبة، بل لم يتقدم أى مواطن حتى الآن بدعوى فى هذا الشأن، والمفترض أن تقام الدعوى ضد الحكومة أمام القضاء الإدارى الذى لوأقر حق المدعى يقوم بإحالتها إلى الدستورية العليا والتى تبحث الأمر من جانبها وفقا لتوقيتات زمنية محددة فى كل المراحل لا تتيح أبدا أن يصدر حكما الآن فى القضية ويبطل الضريبة.
النكتة أن قانون الضريبة العقارية صادر عام 2008 وفقا لوزير المالية وتم تعديله عام 2013 ولم يتحدث أحد عن عدم الدستورية طوال هذه المدة، بل إن الوزير أشار إلى صدور حكم من الدستورية العليا عام 2002 بدستورية فرض ضريبة على العقارات المشغولة التى لا تدر دخلا .
الحقيقة لست هنا فى مجال تأييد أومعارضة قانون الضرائب العقارية، فهذه مسألة مختلفة لأنها أكثر تعقيدا فى مدلولاتها عن مناقشتها فى هذا السياق ولها انعكاسات اجتماعية ودلالات سياسية ليست باليسيرة، لكن المهم هوعلاقة هذا الملف بالشائعات والمعلومات المضللة التى يسعى البعض لترويجها ليس بغرض إلغاء القانون وإنما إرباك المجتمع وإثارة الشكوك والبلبلة بين الناس بمعلومات مغلوطة وخبيثة .
أول من أمس «الأحد» خرج وزير المالية د. محمد معيط بتصريحات خلال لقاء مع صحفيين فى شرم الشيخ موضحا بعض الحقائق المهمة وهوأمر مدهش أن يظل هووالحكومة صامتين مع ازدياد الشائعات واتساع دوائر انتشارها وتحولها إلى وقائع ومعلومات، ليبدأ بعد أن استقرت الشائعات فى الرد عليها.
لحد إمتى حتفضل الحكومة فى دائرة رد الفعل ؟