الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
صلاح حافظ الفنان المضىء العقل والروح!

صلاح حافظ الفنان المضىء العقل والروح!






فى «روزاليوسف» كانت للأستاذ «أنيس منصور» حكايات وذكريات لا تنسى، وهناك اقترب أكثر من الأستاذ الكبير «صلاح حافظ» الذى أصبح فيما بعد أحد رؤساء تحريرها بالاشتراك مع الأديب الكبير «فتحى غانم» فى سبعينيات القرن الماضى !    عن تلك الأيام يقول أنيس منصور:” كان صلاح حافظ  يراجع الموضوعات والأخبار ويعيد صياغتها”!
وكان فى «روزاليوسف» محرر اسمه «إسماعيل سرى» عمه «حسين سرى باشا»، وكان «إسماعيل» مثل كل أولاد الذوات يأتى بأخبار الطبقة الأرستقراطية فى نادى الجزيرة، وكان إسماعيل يثور كل أسبوع ويشكو «صلاح حافظ» لطوب الأرض!
وطوب الأرض هم المحررون الذين لا حيلة لهم، فصلاح حافظ لا يتبع التعليمات التى يكتبها إسماعيل على هامش كل خبر يكتبه، أما التعليمات فهى هكذا:  فى الهامش يكتب «دوس بنزين» أى أن يهتم بالخبر! أو يكتب «دوس شوية» أى بعض الاهتمام!
ثم يكتب هذه التعليمات:  كلك نظر يا أبوصلاح البنت حلوة ولبسها شيك أوعى تغلط فى الألوان وإلا أصبحت فضيحة، أرجوك يا صلاح ولك الحلاوة!
ويصدر عدد «روزاليوسف» فنجد إسماعيل على ريق النوم فى «روزاليوسف» بالقميص والبنطلون ـ أى أنه نزل غاضبًا لدرجة أنه نسى الكرافتة والجاكتة ونسى يحلق ذقنه وبدلاً من أن يضع كولونيا فاخرة وضع كولونيا »555»، وفى اجتماع التحرير يكون «إسماعيل سرى» أول المتكلمين:
أنا قلت يا أستاذ إحسان «يدوس جامد، داس شوية وقلت له خذ بالك من الألوان، أودى وشى النهاردة فين؟ هل معقول «توتو» ترتدى بلوزة زرقاء وجيب خضراء هل هذا معقول.. ليه هى خدامة؟! وبعدين هل معقول أن تلبس جزمة» كعب عالى” فى نادى الجزيرة صباحًا وهى رايحة تأخد حمام !أنا هاقدر أدخل النادى؟! شوفوا حد غيرى يغطى أخبار نادى الجزيرة!
أما تفاصيل الحكاية التى رواها أنيس منصور فيكملها أستاذنا «إحسان عبدالقدوس» قائلاً« :كان من أقوى الأبواب الصحفية فى «روزاليوسف» قبل الثورة هو باب المجتمع وكان مخصصًا لأخبار أولاد الذوات وأولاد العائلة المالكة، وكان يحرره أكثر الكتاب اليساريين تطرفًا من أبناء «روزاليوسف» وهو أخى الأصغر «صلاح حافظ”.
ولم يكن «صلاح» يسجل رأيه مع الأخبار التى ينشرها فى هذه الصفحات، بل كان فقط ينشر الخبر بأسلوب يجذب القارئ ! ورغم هذا فقد كانت هذه الصفحات من أقوى المؤثرات على تجميع الرأى العام داخل الثورة!
وأذكر مرة أن «صلاح» نشر خبرًا بريئًا يقول فيه أن ابنة «عبدالفتاح باشا يحيى» ـ وهو أحد رؤساء الوزارات أيامها ـ فوجئت بمرض كلبها وأنها حملته إلى الطبيب ودفعت خمسة وعشرين جنيهًا تكاليف علاجه!
وقد نشر الخبر دون تعمد إبرازه، ولكنه ما كاد ينشر حتى قامت مظاهرة ضخمة، من موظفى الحكومة اتجهت إلى وزارة المالية وهى تهتف:” نريد المساواة بكلبة ابنة عبدالفتاح يحيى”!.
وأعود إلى ذكريات أنيس منصور الذى كتب يقول:” وفى يوم كنا معًا:  مأمون الشناوى وكمال الطويل وصلاح حافظ وأنا عندما دق الباب ودخل رجال المباحث اختطفوا صلاح حافظ المفكر الشيوعى المهذب الفنان المضىء العقل الجميل الروح وذهب إلى غياهب السجون تسع سنوات!
ويوم جاءنى فى أخبار اليوم بالأحضان والقبلات، فهو من أحب وألطف المفكرين فى مصر، تختلف معه ولكن تبقى محبًا له وجلس «صلاح حافظ» على المقعد ورفع قدميه فى الهواء، ونشر ذراعيه وقال: “ تسع سنوات وأنا أحلم أن يجئ يوم أرفع قدمى عن الأرض، لم يحدث، تسع سنوات فلا مقاعد فى السجن ولا مكان فى الزنزانة تستطيع أن تنشر فيه ذراعيك دون أن ترتطم بالحائط!».. وكلما انفتح باب مكتبى ارتعد «صلاح حافظ» قلت:  فى السجن داسوا عليك جامد؟!
قال: “داسوا؟ ! فعصونى فأنا البقية الباقية من صلاح حافظ”.
وللحكاية بقية!