الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
بأمر جمال عبدالناصر: إحسان عبدالقدوس مذيعا!

بأمر جمال عبدالناصر: إحسان عبدالقدوس مذيعا!






ذات يوم من سنة 1955 طلب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، من الكاتب الكبير «إحسان عبدالقدوس» أن يقدم سلسلة من الأحاديث الإذاعية تذاع بشكل يومى فى الراديو.. وفوجئ «إحسان» بهذا الطلب من الرئيس «عبدالناصر»، وعندما بدأ «إحسان» فى إلقاء هذه الأحاديث قامت الدنيا ولم تقعد ضده..
تفاصيل ذلك رواه إحسان عبدالقدوس «فى الكتاب المهم الذى أعدته د.أميرة أبوالفتوح» وعنوانه «إحسان عبدالقدوس» يتذكر حيث قال:
«كانت مفاجأة ترددت أمامها طويلا، وعلى الرغم من أن المرحوم «جمال عبدالناصر» ترك لى حرية اختيار عنوان السلسلة وموضوعها! وهنا كان التردد والتفكير فأنا كاتب صاحب قلم سواء فى الأدب الروائى أو فى السياسة وأنا حين أكتب أخلو إلى نفسى تماما، ولهذا أشعر بالحرية الكاملة فى التعبير عن نفسى بجرأة وشجاعة، أما محادثة الأخرين فهى آخر ما أجيده لأننى بطبيعتى وتكويني إنسان خجول، وأخوف ما أخافه جمع الناس، وخاصة إذا كانوا غرباء بالنسبة لى، أجد نفسى مضطرا للحديث معهم مهما كان هذا الحديث عاما أو بسيطا، فكيف بى وأنا أقف فى مواجهة الملايين لأتحدث إليهم حتى ولو كان هذا الحديث عبر الأثير ومن وراء ميكرفون يفصل بينى وبين مستمعى بمئات والآف الأميال!
وكانت محنة أكثر منها تجربة ووجدت نفسى أخوضها فى النهاية ونقل الراديو للناس صوتى وأنا أتحدث إليهم ذات ليلة تحت عنوان «تصبحوا على خير.. وتصبحوا على حب»!!
وقامت ثورة رهيبة ضد هذا العنوان، وكنت أعلم أن المختفين وراء هذه الثورة هم خصومى فى الرأى الذين يخشون من رأيى هذا ويحاولون دائما الدسيسة بينى وبين الرئيس جمال عبدالناصر!! فلما يئسوا منى شنوا علىّ حربا شعواء، وأشاعوا أن عبارة «تصبحوا على حب»، تعنى أن كل زوج يصبح وقد التمس الطريق إلى فراش زوجته «لأن كلمة «حب» عندما يذيعها «إحسان عبدالقدوس» - هكذا اشاعوا - لا تعنى إلا الجنس!!
ووصل رزاز الحملة إلى مجلس الثورة فطلب منى المرحوم «جمال عبدالناصر» كحل وسط أن أغير عنوان السلسلة إلى «تصبحوا على خير.. تصبحوا على محبة»، بدلا من كلمة «حب»، التى أثارت كل هذه الضجة ولكنى رفضت أن أغير الكلمة إيمانا منى بأن التغيير فى حد ذاته ، اعتراف ضمنى بأن الساخطين كانوا على حق فيما ذهبوا إليه من حديث الجنس الذى لم يطف بذهنى مطلقا!!
وكتبت حديثا أفسر به ما الذى أعنيه تماما من كلمة حب وهل تعنى الجنس كما زعم خصومى أم أنها تعنى أسمى وأنبل من كل ما ذهبوا إليه!! وأذكر أننى قلت يومها فى نهاية الحديث فأننى أقصد بالحب - فى مجال السياسة - أن الخلاف السياسى لا يحتم الكراهية ولا يستوجب الحقد، وما يجره من انفعالات وسلوك لا يرضى عنه الحب ولا يعترف به، لأن الحب بمعناه العام الإنسانى إذا وجد فى مجال السياسة سمح بالخلاف فى الرأى ومنع أن يتحول الخلاف السياسى إلى كراهية سوداء بين الأطراف المختلفة!
ويضيف «إحسان» قائلا: كان كلامى عاما لم أقصد به معنى تطبيقا خاصا ولكننى فوجئت بالمسئولية فى الإذاعة أيامها يفسرون كلامى على أن المقصود به هو علاقة الإخوان المسلمين بالثورة وكانت حينذاك متأزمة، وكنتيجة حتمية لهذا التفسير الذى لم أقصده طلب منى الصاغ «صلاح سالم» وزير الإرشاد القومي، وأمين حماد مدير الإذاعة وعبدالمنعم السباعى أركان حرب الإذاعة وقتها أن أحذف هذه العبارة، ورفضت لا من باب العناد ولا لمجرد أن يقال إن إحسان عبدالقدوس أكبر من أن يحذف له حرف، بل رفضت من باب الحرص على كرامة الكلمة يكتبها صاحبها رأى يحترم كلمته وقلتها صريحة:
إذا حذفت العبارة فلن أذيع الحديث.. بل ولن أتعامل مع الإذاعة!! وكنت أعرف جيدا ماذا سيحدث نتيجة لهذا الموقف الجديد ولكننى أتخذت قرارى وليحدث ما يحدث!! وقد شطب الحديث فعلا ومنعت إذاعته ومن يومها لم أتحدث فى الإذاعة».

وللحكاية بقية!!