
حازم منير
الصحافة الورقية
لا أميل ولا أنحاز لفكرة أن الصحافة الورقية لا مستقبل لها، أو أن الطريق الآن ممهد للصحافة الإلكترونية ولا مجال للحديث عن استثمارات جديدة فى الصحافة الورقية، وأن المستقبل القريب سيشهد زوال الصحافة المكتوبة الورقية وستبقى الصحافة المكتوبة الإلكترونية .
أى توقعات مستقبلية يجب أن تقوم على دراسات وأبحاث وتحليلات لجوانب عدة وشتى، وأن ترتبط بالواقع المحلى أكثر من اتصالها بواقع دولى أو إقليمى، فتجارب الدول تختلف من مكان لآخر، وكل ظاهرة لها أسبابها الموضوعية الخاصة .
لا أعتقد أننا فى مصر نمتلك دراسات علمية محددة قائمة على أسس وقواعد انتهت إلى تحديد نتائج عن مصير ومستقبل الصحافة الورقية المصرية وإذا ما كانت ستصمد أم أنها ستنهار أمام أزماتها المزمنة، وهل ستنجح فى الصمود أمام منافسة الصحافة الإلكترونية من عدمه.
أخشى أننا تحركنا فى سياق موجة دعائية للصحافة الإلكترونية وجذب المستثمرين لها، وهو ما تسبب إلى جانب أسباب أخرى فى ضعف القدرة على جذب استثمارات ومستثمرين لسوق الصحافة الورقية مما زاد من التأثيرات السلبية عليها.
القرار الأخير للهيئة الوطنية للصحافة لإنجاز دراسة علمية عن تكاليف إصدار الصحف ورفع سعر بيع النسخة وعلاقة ذلك بتقليل التكاليف وحصار نزيف خسائر يستنزف المؤسسات هو قرار مهم وربما هو الأول من نوعه والذى سيضعنا على بداية الطريق للبحث العلمى الجاد عن حقيقة أزماتنا وسبل تجاوزها والخروج منها .
حسب معلومات مؤكدة فإن العديد من الصحف الأوروبية والأمريكية تمكنت من تحقيق زيادات فى عدد المطبوع ورفع نسب التوزيع وزيادة فى القراء، وهو اتجاه معاكس تماما لما تم الترويج له من التركيز على الصحافة الإلكترونية فى المستقبل .
بالقطع استخدام التكنولوجيا والإنترنت فى الغرب متقدم عن واقعنا، لكن ذلك لم يمنع صمود العديد من المؤسسات وصناعة الصحافة الورقية فى مواجهة التطور التكنولوجى والصحافة الإلكترونية، بل وأن يستعيد البعض مكانته ويحرز تقدما.
اعتقادى أن المسألة الأساسية فى النهوض بالصحافة الورقية هى إجابة سؤال واضح ومحدد.. ما هى السلعة التى تقدمها للقارئ؟ وهل تلبى احتياجاته؟ وكيف تستطيع صناعة هذه السلعة فى قالب يجذب اهتماماته وتركيزه، وما هى الأشكال والقوالب الحديثة التى يمكن استخدامها لتحقيق نقلة حقيقية فى الصحافة الورقية ؟
اسئلة كهذه تحتاج إلى دراسات علمية، ولا يكفى للاجابة عنها تصفح دراسات أو كتب اكاديمية أو مطالعة مطبوعات بتجارب سابقة، هذه كلها ادوات مساعدة، انما الأهم هو معرفة حال السوق فى اللحظة حتى تتمكن من رصد متغيراته وتحديد احتياجاته.
نحن أحوج ما نكون إلى مواصلة الهيئة الوطنية للصحافة فى مسار إجراء عدد من الدراسات والابحاث عن مستقبل صناعة الصحافة الورقية فى ضوء أزماتها المزمنة وفى ضوء تجارب أخرى كثيرة تمكنت من استعادة الانتشار والتأثير .
نريد إجابات قائمة على دراسات علمية وحقائق واقعية نحدد بها فعلا مستقبل الصحافة الورقية.. والهيئة الوطنية هى الأكثر تأهيلا للقيام بهذا الدور .