السبت 17 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
« خليها تعفن»

« خليها تعفن»






«احمل مغزلك واتبعنى».. عبارة شهيرة غيرت وجه الحياة فى شبه القارة الهندية، وزلزلت عرش الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس.
قبل نحو قرن من الزمان، أمعنت بريطانيا فى إذلال شعوب مستعمراتها، ومثلما حدث فى مصر، احتكرت شراء القطن بثمن بخس فى الهند، ثم تعيد تصنيعه وبيعه بأغلى الأسعار، فأطلق المهاتما غاندى تلك العبارة التى لا يزال صداها يتكرر يوما بعد الآخر، معلنا مقاطعة الشركات البريطانية، ثم بدأ بنفسه فى نسج الأقمشة، ليرتدى الإزار المعروف بـ«الكادى»، كما امتنع عن حلق ذقنه بشفرة بريطانية، واقتصر طعامه على الماء والحليب، وما تجود به الأرض الهندية، فالتف حوله الملايين من أبناء وطنه، وقاطعوا ملابس ومأكولات الشركات البريطانية التى تكبدت خسائر فادحة، ما دفع لندن إلى توقيع اتفاقيات غيرت مسار الحياة فى الهند.
المقاطعة لم يقتصر دورها على إنهاء الاستعمار،بل كان لها دور بارز فى القضاء على التمييز والعنصرية بحق الأمريكان ذوى الأصول الإفريقية، حيث كان يتم إجبارهم على الوقوف أو الجلوس فى مؤخرة الحافلات، فقرروا مقاطعتها، والسير على الأقدام، أو استخدام الدراجات، فكانت النتيجة أن تكبدت تلك الشركات خسائر فادحة، وأيقنت أن عملها الرئيسى يعتمد على تلك الفئات، ما دفعها إلى إلغاء التمييز والعنصرية ضد الأفارقة.
المقاطعة  سلاح حضارى لتحقيق العدالة، والقضاء على استغلال التجار الجشعين، الذين اعتادوا على مص دماء المصريين، وسبق أن حققت نتائج جيدة عام 1980 فى مواجهة جشع الجزارين، عندما صدر قرار بمنع الذبح لمدة شهرين كاملين ولاقت تلك الحملة نجاحا كبيرا، وقبل انتهاء الفترة المقررة عادت أسعار اللحوم إلى طبيعتها وأصبحت فى متناول جميع المواطنين.
فى ظل نظام اقتصاد السوق، وسياسة العرض والطلب، لم يعد أمام المصريين الآن سوى سلاح المقاطعة لمواجهة جشع واحتكار التجار، بعدما أصبحت الفاكهة حلما يراود الملايين من المصريين، وأصبح شراؤها « لمن استطاع إليه سبيلا»، فلم تعد الفاكهة فى متناول متوسطى الدخل ولا حتى الأغنياء، فما بالنا بالفقراء، فمن يتخيل أن سعر كيلو التفاح قفز من 20 إلى 60 جنيها، والمانجو إلى 40 جنيها، والبلح 35 جنيها، والعنب 25 جنيها، والجوافة 30 جنيها.
للأسف الشديد، المواقف السلبية للكثير من المواطنين تشجع التجار على استغلال الشعب، ورفع الأسعار، ولكن باستطاعتنا إنجاح حملات « خليها تعفن» و» خليها تحمض»، لمقاطعة الفاكهة لمدة أسبوع، إذا تصدى المصريون لمافيا التجار، فالفاكهة من السلع سريعة التلف، والامتناع عن شرائها سيضطر التجار إلى خفضها.
الحكومة عليها دور كبير لتحقيق تلك المعادلة الصعبة، وتأخرها فى التدخل منح الفرصة لمافيا التجار فى استغلال المواطنين، فاختفت السيارات المتنقلة لتوفير السلع الغذائية للمواطنين، كما لم تقم الشركة القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين بالدور المنوط بها، فى توفير الفاكهة فى المجمعات الاستهلاكية، بأسعار عادلة تتناسب مع مستويات الدخل، والتخلص من حلقات الوساطة بين المزارع والمستهلك.
مع استمرار حملات المقاطعة « خليها تعفن» و» خليها تحمض» أصبح تدخل الحكومة ضروريا، للقضاء على فوضى الأسواق وعمليات الاحتكار، وخلق مناخ تنافسى يحقق الصالح العام للمواطنين، بتوفير كميات كبيرة من الفاكهة فى الأسواق، وخفض أسعارها، مثلما حدث فى السلع الغذائية الأخرى.