الجمعة 5 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
القانون يحمى المغفلين (أحيانا!)

القانون يحمى المغفلين (أحيانا!)






يعتقد البعض أن مقولة القاضى الأمريكى (القانون لا يحمى المغفلين) قاعدة قانونية، أو فوق القوانين، والحقيقة غير ذلك تماماً، فلا تعدو أن تكون تلك المقولة تطبيقًا صريحًا للمثل الشعبى  (وراء كل طمّاع نصّاب)، والقصة أن ملايين من المواطنين الأمريكيين (الطماعين) أرسل كل منهم  دولارا واحدا على عنوان بريدى لأحد) النصابين (الذى طلب منهم ذلك بإعلان نشره بإحدى الصحف، موهمًا إياهم بأنهم سوف يصبحون أثرياء، وحينما افتضح أمره وكثرت البلاغات ضده، شرح هذا النصاب للطماعين حيلته، كما أوضح للمحكمة التى تداعى أمامها أنه لم يرتكب جرمًا، ومن ثم  برأته المحكمة وقال القاضى تلك المقولة الشهيرة (القانون لا يحمى المغفلين).
والحقيقة أن هدف القانون وغايته الكبرى هى حماية المغفلين وليس العكس، وذلك إذا كان المقصود بكلمة (المغفلين) هم ضحايا التلاعب بثغرات القانون ونتوءاته، ممن يقعون فريسة من فسدت ضمائرهم، وخربت ذممهم، ومن الأمثلة الصارخة لهؤلاء (المغفلين) الذين يحميهم القانون، ما تتعرض له الزوجة عندما يتزوج زوجها بأخرى - وهى ما زالت بعصمته؛ فإن القانون – والحال كذلك - يحميها ويُلزم المأذون بإخطار الزوجة الأولى بواقعة الزواج الثانى، كما يعطيها القانون الحق فى طلب التطليق، معتبرًا أن هذا الزواج الثانى قد ألحق ضررا بها، ومنحها كذلك جميع حقوقها المالية، ناهيك عن حقها فى حضانة الصغار وما شابهه، إذن مثل هذا المثال، يبين - بجلاء – أن الوعى بالقانون هو العاصم من الغفلة التى يمكن أن يتعرض لها الفرد ويوصم بأنه من المغفلين وأن القانون لا يحميه، فما لم تعلم الزوجة هذا الحق لها، مع الأخذ فى الاعتبار المستوى التجهيل وعدم الوعى العام فى بعض المناطق النائية، فإنها قد ترضخ لهذا الزواج الثانى، وتنضم من ثم لقائمة المغفلين، وتعبر كلمة الوعى عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجى عن طريق منافذ الوعى التى تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس ... والوعى هو ما يكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة والطبيعة من حوله، ويعنى وعى الذات وعى الإنسان لذاته ولمكانته فى نشاط الناس الاجتماعى المشترك، وبفضل هذا الوعى يكتسب الإنسان القدرة على مراقبة الذات، وإمكانية التوجيه الهادف لتصرفاته وضبطها وتربية الذات، وعليه يكون على الذات مسئولية أخلاقية، وتتحقق قناعات الذات من قدرة المرء على الضبط الذاتى لأفعاله.. أى فى النهاية يرتبط الوعى بالعلم والمعرفة والفهم والتطبيق ومراقبة الذات وضبط سلوكها وتوجيهه توجيهًا هادفًا، وبناءً عليه تنطلق فكرة الوعى بالقانون من هذه المنطلقات المرتبطة بهذه المفاهيم.
 أما إذا كان المقصود بالمغفلين هم من يغفلون عن حكم القانون، فتسرى فى حقهم قاعدة (عدم الاعتذار بالجهل بالقانون)، وإن كانت تلك القاعدة كذلك محل نظر فى الواقع الحياتى المعيش، لأن المغفل مشتق من كلمة غافل والغافل هو الذى لا يفطن لما يحاك ضده  والقانون يحمى الغافل إذا ثبت بأن كان هناك قصد لتغفيله، ولكن هناك غفلات يقع فيها البعض بجهل القانون ومثل هذه الغفلات هو الذى لا يحميه القانون، ذلك لأن القانون هو تقنين لأعراف مجتمعية سائدة، تكونت عبر عقيدة رسخت فى وجدان البشر بحتمية وجوده يكفل حرياتهم وينظم حقوق وواجبات بعضهم البعض، فنشأت تلك الأعراف بإرادة ورغبة كاملة، ومن ثم أضحى العلم بها واجبًا مفترضًا (أحيانًا) !!
وبالقانون .. تحيا مصر،،