
محمد صلاح
فتنة «الديسك الأول»
مجتمع غابت عنه الأخلاق، وشهامة وجدعنة «ولاد البلد»، وسيطرت على سلوكياته الأنانية وحب الذات، فأصبح كل فرد يسعى إلى تحقيق مصالحه الشخصية، إما بـ«الواسطة» أو «الرشوة» أو بـ«الدراع»، حتى لو كانت على حساب مصالح الآخرين، أو أمن واستقرار المجتمع.
فالأخلاق «تاج» الشعوب، وإذا غابت أو حدث بها انفلات تدهور المجتمع كله، فالانفلات الأخلاقى لا يقل خطورة عن الانفلات الأمنى على استقرار الدولة، التى اعتاد الملايين من أبنائها أن تكون « الفهلوة» أسلوب حياتهم، فما بالنا إذا انعدمت أخلاق الآباء والأمهات، فماذا سيتعلم الأبناء؟! بعدما تحول التدين إلى ظاهرة شكلية، فضلا عن غياب التعليم ومبادئ العدالة الاجتماعية.
ما استفزنى يوم الأحد الماضى « فتنة التختة الأولى» التى أفقدتنا سعادة أولياء الأمور والتلاميذ ببدء النظام التعليمى الجديد، فما حدث كشف لنا عن وحوش بشرية، فقدت أعصابها وصوابها، مجتمع تفشت فيه ثقافة الأنانية واستخدام قوة «الدراع»، لا يعرف نصفه مبادئ القراءة والكتابة، والنصف الآخر إلا قليلا يعانى من الأمية الثقافية.
صراع أولياء الأمور على «الديسك الأول» مشهد لم يكن حضاريا، ولن تجده إلا فى مصر، حيث تتوارثه الأجيال، مثل عادة الثأر فى الصعيد، حيث يحرص الآباء والأمهات على اصطحاب أبنائهم إلى أبواب الفصول ليجلسوهم فى الصفوف الأولى، لقربها من المعلم والسبورة، ودلالة على نبوغهم وتفوقهم الدراسى، وأن كليات القمة فى انتظارهم، وهذا قد لا يكون صحيحا، أما «التعساء».. الضعفاء والأشقياء، فمكانهم الصفوف الأخيرة، حيث عدم الرعاية والاهتمام من قبل المدرسين.
مع زيادة كثافة الفصول، اشتعل الصراع على 10% من المقاعد، لذلك ابتكر أولياء الأمور أساليب غير نمطية وغير أخلاقية للوصول بأبنائهم إلى الفصول قبل زملائهم، منها اقتحام أسوار المدرسة فى السادسة صباحا، وتسلق مواسير الصرف الصحى للدخول من النوافذ، والاستعانة بسلالم خشبية للوصول إلى الطابق الثانى، وعدم الاكتراث من خطورة ذلك على أبنائهم، أو أمن وسلامة الآخرين، أو الحفاظ على المدرسة باعتبارها أحد أهم المؤسسات التعليمية فى المجتمع بعد البيت والأسرة.
فى اليوم الأول من العام الدراسى، المشهد كان أشبه بيوم الحشر، زحام شديد من الطلاب وأولياء الأمور أمام المدارس، واشتباكات بالأيدى وشتائم متبادلة، حتى وقعت الكارثة التى لم يتوقعها أحد، لفظ إبراهيم أنفاسه الأخيرة، بعدما دهسته أقدام زملائه بمدرسة بسنديلة بمحافظة الدقهلية، أثناء تدافعهم للفوز بـ» الديسك الأول»، ثم يفقأ تلميذ عين زميله بالعاشر من رمضان، وطالب يتجرأ ويصفع معلمه، ويختتم اليوم الأول بهروب جماعى للتلاميذ من بعض المدارس.
«الديسك الأول» لم يكن دليلا على نبوغ الطالب أو تفوقه، أو ضمانة لتحصيل جيد للعلم، فكثير من العلماء لم يجلسوا يوما فى «التختة الأولى»، فالمستوى الدراسى للطالب يتحكم فيه مدى التزامه أخلاقيا وعلميا، فضلا عن الدور المهم للأسرة.
وزارة التربية والتعليم عليها أن تستوعب الدرس لعدم تكرار تلك المأساة، التى حدثت أمام المدارس الحكومية دون الخاصة، بسبب غياب الإدارة الحكيمة، وعدم وجود أفكار خارج الصندوق لتفادى تلك الكارثة.
المدارس الحكومية كان أمامها الوقت الكافى لإعداد قوائم بأسماء الطلاب، وتحديد فصولهم قبل بدء العام الدراسى، وكتابة اسم كل طالب على « الديسك» الخاص به، وفقا للترتيب الأبجدى، دون تدخل المعلمين أو أولياء الأمور، ثم يتم تطبيق طريقة المقاعد الدوارة، وفى حالة شكوى طالب أو أكثر من ضعف البصر، على ولى الأمر توقيع الكشف الطبى، ويتم تخصيص المقعد الأول لهذه الحالات، وبذلك يتم القضاء على الصراعات والمشاكل التى تحدث كل عام بين أولياء الأمور والمعلمين، وتحقق العدالة الاجتماعية بين جميع الطلاب دون واسطة أو محسوبية.