الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
روزاليوسف وزكى طليمات وجهًا لوجه!

روزاليوسف وزكى طليمات وجهًا لوجه!






ذات يوم من خريف عام 1925 أعلنت وزارة الأشغال المصرية عن مسابقة حكومية للتمثيل المسرحى يحصل الفائز الأولى على جائزة قدرها ثمانون جنيها وميدالية الامتياز الذهبية!
وكانت المفاجأة أن يتقدم للمسابقة كل من «روزاليوسف» وزوجها «زكى طليمات»، كانت «روزاليوسف» فى حاجة إلى الثمانين جنيهًا لتواصل إصدار مجلتها بعد أن كادت تتوقف منذ العدد السابع عشر لعجزها عن شراء الورق وأجر الطباعة، أما زكى طليمات فلم يكن راضيًا عن حصوله على المركز الثالث فى التصفيات ويحلم بالمركز الأول!
تفاصيل الحكاية وما جرى بعد ذلك يرويه الأستاذ «فتحى غانم» فى كتابه البديع «الفن فى حياتنا» فى الفصل الخاص عن «زكى طليمات» حيث يقول:
«كان زكى طليمات» قلقًا أن فرصته الأخيرة فى الحصول على الجائزة الأولى ذلك أنه سيؤدى دور «لوريس ايبانوف» أمام السيدة روزاليوسف التى تؤدى دور «فيدورا» والسيدة «روزاليوسف» فنانة لم يشهد المسرح المصرى مثيلا لها فى قوة الأداء والتعبير وكانت مرتبتها الفنية العالية تجعلها فى مستوى فريد لا يقترب منه أى ممثل أو ممثلة ممن عرفهم المسرح المصرى، ممثلة مصر الأولى!
وكانت السيدة «روزاليوسف» تريد أن تدخل أول مسابقة للتمثيل تقيمها الدولة لأن المناسبة مهمة ولها دلالتها فى أن الدولة قد بدأت تعترف رسميًا بأهمية المسرح وفن التمثيل!
ولم يذكر الاستاذ «فتحى غانم» حكاية حلم «روزاليوسف» بالفوز بقيمة الجائزة المادية لإنقاذ مجلتها ويضيف قائلا: يتهربون من التمثيل أمامها حتى «يوسف وهبى» أعلن أنه سيدخل المسابقة فى دور المجنون وهو دور ينفرد فيه بالبطولة دون أن يحتاج إلى ممثلة كبيرة أمامه! وشجعت السيدة «روزاليوسف» «زكى طليمات» على أن يقبل التمثيل أمامها، وقبل زكى طليمات ولكنه فى قرارة نفسه كان مترددًا، لأنه واثق من قدرة الفنانة التى سيقف أمامها ومن تفوقها وهى لا شك ستجعل حكام المسابقة يلاحظون ضعفه بالنسبة لها وهكذا لن يحصل على الجائزة الأولى التى يتمناها!
وجاءت اللحظة الحاسمة لحظة التمثيل ودخل «زكى طليمات» المسرح وأعصابه فى أشد حالات التوتر والأنفعال وبدأ يتكلم أمام السيدة «روزاليوسف» - فيدورا!
ومن الغريب أن المشهد الذى كانت تمثله السيدة «روزاليوسف» كان مشهدًا صامتًا فهى تستمع إلى اعتراف «لوريس ايبانوف» بأنه قتل من تحبه «فيدورا» وهى تعلم فى نفس الوقت أن رجال البوليس ينصتون معها إلى هذا الاعتراف!
كان زكى طليمات يتكلم وهى تنصت وتعبر فى صمت عن انفعالاتها المختلفة دون أن تقول كلمة واحدة، وهو أمر شاق لا تقوى على أدائه أى فنانة، فلا بد أن تكون كل إشارة وكل إيماءة تبدو منها تتفق تمامًا مع المشاعر التى تنفعل بها وتعبر عن هذه المشاعر فى دقة ووضوح تامين! ويقول «زكى طليمات»: إنه منذ اللحظة التى بدأ يتكلم فيها أحس أنه وجد نفسه يندمج فى شخصية «لوريس إيبانوف» ويدلى باعترافاته لأنه شعر بأن أمامه «فيدورا» حقيقية!
ولما انتهى المشهد التمثيلى كان زكى طليمات قد تعلم درسًا كبيرًا يظل يذكره، وهو أن الفنان الممتاز لا يطغى على من يمثل أمامه بل يرفعه معه ويساعده على حسن أدائه لدوره، ذلك لأن الفنان الممتاز لا يبحث عن نجاحه الشخصى ولا يجرى وراء لفت الأنظار اليه وحده، إنه يبحث عن نجاح الرواية كلها، ويؤدى دوره بأمانة فنية كاملة فيكون مثالا مشجعًا لمن حوله فى أن يبذلوا كل جهدهم فى تأدية أدوارهم!
وأخيرًا يقول فتحى غانم: « وهكذا كان فن السيدة روزاليوسف الذى خشى منه «زكى طليمات» على نفسه هو السبب فى نجاحه وإبراز فنه وحصوله على الجائزة».. وللحكاية بقية!