الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التليفزيون ليس مقالاً صحفيًا مملاً!

التليفزيون ليس مقالاً صحفيًا مملاً!






بعيدًا عن السياسة وهمومها والاقتصاد وأرقامه ومتابعة الأخبار اليومية المرهقة التى كانت محور كتابات أستاذنا أحمد بهاء الدين، فقد كانت مقالاته وانطباعاته ومشاهداته التليفزيونية تحتل موقعاً مهما فى كتاباته.
ومنذ اليوم الأول لظهور التليفزيون يوليو 1960 - كان «بهاء» حريصًا على كتابة ملاحظات كمشاهد وكاتب أيضًا وكان لا يرضى عن أشياء ويعجب بأشياء ولم يحدث أبدًا أن استخدم لفظًا خشنًا وهو يبدى ملاحظة ما على أداء مذيع أو مذيعة وحتى لو حدث ذلك فهو يتجنب تمامًا ذكر الأسماء، وكان يقول: لو ذكرت اسم المذيعة أو المذيع فسوف ينال الأذى أسرة المذيعة أو المذيع!!
كان الأستاذ «بهاء» يولى ما يقدمه التليفزيون من برامج ومسلسلات أهمية قصوى فى كتاباته وذلك لعمق تأثيره فى ملايين المشاهدين على مدار اليوم كله!!
ومن أجمل وأعمق مقالات الأستاذ «بهاء» مقالة فى «الأهرام» عقب تولى المذيعة الرائعة السيدة «سامية صادق» مسئولية رئاسة التليفزيون فى شتاء سنة 1982 وهى المذيعة صاحبة أشهر البرامج الإذاعية التى دخلت قلوب المستمعين ببساطتها وعمقها وثقافتها الرائعة ومنها مثلًا «حول الأسرة البيضاء» و«فنجان شاي» و«نجوم الصحافة» و«هؤلاء والقمر» وكان الأشهر بطبيعة الحال هو برنامج «ما يطلبه المستمعون»!
وعقب توليها المسئولية كتب لها الأستاذ «بهاء» فى يومياته رسالة أو مقالًا مهمًا يعبر فيه عن أحلامه وطموحه لما يراه من دور خطير يلعبه التليفزيون فى حياة مشاهديه وهم بالملايين - حيث لم تكن الفضائيات قد ظهرت بعد!
جاء فى مقال الأستاذ «بهاء»:
سيدتى العزيزة «سامية صادق»، لم أكن أبالغ أن التليفزيون يفوق أثره وزارة التربية ووزارة الثقافة والصحف مجتمعة! فالتليفزيون ينقل رسالة تأثيره داخل البيت والإنسان فى حالة راحة أو تسلية، أى خالع دروعه وليس فى حالة تنبه للدفاع عن النفس!
والتليفزيون ثانيًا هو سيد «الرسالة غير المباشرة» فهو ليس حصة للتلقين، ولا يقدم مادة للحفظ والصم، وليس خطابًا سياسيًا مباشرًا ولا مقالًا صحفيًا مملًا!!
إنما هو يعطى تأثيره الأكبر بشكل غير مباشر، وهذا أيضًا يقلل حصانة الفرد ضده، ثم إنه أخيرًا يؤثر بالصوت والصورة واللون والحركة معًا، أى يتسرب إلى نفس المرء من عقله وأذنيه وعينيه وشتى حواسه تقريبًا!
ووزير التربية القديم الذى صاح مرة: أغلقوا التليفزيون إنه يدمر فى ساعة ما تبذله المدرسة فى أسبوع كان على حق وإن ضحك الناس منه، ولعلهم ضحكوا لا لأن قوله غير صحيح، ولكن لأن إغلاق التليفزيون مستحيل، فالاختراع الذى يظهر لا يمكن إلغاؤه بعد ذلك قط!!
بل إن العلماء «المستقبليين» يؤكدون لنا أن التليفزيون هو الذى سيغلق المدارس إلى حد كبير، أو سيجعل الطلبة يذهبون إلى المدارس لمشاهدة التليفزيون والدروس المسجلة، لأنها ستكتسح فى قدرتها قدرة المدرس الفرد بالسبورة والطباشير على التدريس!
والتليفزيون أخطر فى أى بلد فيه نسبة أمية عالية ودرجة تخلف ثقافى أعلى منه فى بلد مثقف متحضر، لأن الإنسان فى الحالة الأولى أقل حصانة ومناعة ضد ما يعرض التليفزيون من إغراءات ومباهج وقيم يلقيها دون اهتمام أمام عيون لم تر هذه الحياة الملونة منه قبل فتدمر فى نفوسهم الكثير، دون أن تحس أن واجبها أن تبنى إزاء ما تدمر، وتبنى أحسن مما تدمره!!
واختتم الأستاذ «بهاء» رسالته إلى السيدة سامية صادق» رحمها الله قائلًا: وصدقينى إن نصف اضطراب العالم الثالث نفسيًا وعصبيًا وبالتالى سياسيًا سببه التليفزيون بما يصيب به بعض الشعوب من «شيزوفرانيا» أو انفصام فى الشخصية.
معك حق يا أستاذ «بهاء» وصدقت فى كل كلمة قلتها!