الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
شقاوة إحسان مع أمير الشعراء!

شقاوة إحسان مع أمير الشعراء!






كان أمير الشعراء «أحمد شوقى» ضيفًا دائما على سهرات وندوات «روزاليوسف»، فقد كانت السيدة روزاليوسف تستأجر شقة فى عمارته التى يملكها وكانت جلسته المختارة ساعة العصر من كل يوم فى المجلة، وكان اذا أقبل المساء - كما تروى السيدة «روزاليوسف»- يدخل إلى المجلة ليشارك فى ندوتها، وكان إنسانا حساسًا هائمًا لا يعيش مع الناس من حوله، كأنه مشدود دائما إلى شياطين محلقة فوق رأسه.
وهناك على الكنبة الوحيدة المريحة يجلس فى استرخاء وحوله «العقاد» والمازنى وتوفيق دياب وآخرون من الكتّاب الناشئين يتجادلون كل مساء فى الفن والأدب والسياسة، أما شوقى فلا يشترك فى الحديث إلا نادرًا تراه وقد شرد ذهنه وزاغت عيناه كأنه ينظر إلى شىء غير منظور.. ويتمتم محركًا شفتيه فى همهمة لا تبين!
وأنامله تعبث فى فم السيجارة الأنيق الذى يحمله ويستمر على هذه الحال فترة تقصر أو تطول ثم إذا به قد نهض، واذا به خرج دون أن يلقى بالتحية أو يقول كلمة واحدة «سائرًا فى خطواته الوئيدة كأنه يسير وهو نائم!
وهنا نعرف أن الوحى قد هبط عليه وأن قصيدة جديدة فى طريقها إلى الميلاد!
وفات على السيدة «روزاليوسف» أن تروى شقاوة وعفرتة طفلها «إحسان عبدالقدوس» مع أمير الشعراء، لكن بعد مرور سنوات طويلة يتذكر «إحسان» أيام الشقاوة قائلا:
«الصورة التى أحتفظ بها فى ذاكرتى لشوقى بك «صورة مهزورة ليست واضحة المعالم، فقد كنت فى السابعة من عمرى عندما رأيته وجلست إليه لآخر مرة «وكنا نسكن طابقًا فى إحدى العمارات التى يملكها وكان رحمه الله قد اتخذ من بدروم هذه العمارة مكتبًا يقابل فيه زواره ويعقد فيه مجالسه الأدبية، وكان إذا اشتد الحر خرج «شوقى بك» وعقد جلساته فى الحارة التى تقع فيها العمارة!
وكان يحلو لى فى هذه الأثناء أن ألعب «البلى» أمامه وكنت أكثر من الصياح والتشاجر مع أولاد الجيران، فكان رحمه الله ينادينى إليه ويربت على كتفى ويحاول أن يقنعنى بعدم الصياح وأذكر أن صوته كان شديد الانخفاض وكان يتحرك ببطء والابتسامة لا تفارق شفتيه!
ولم يفلح «شوقى بك» فى إقناعى بالكف عن الصياح فكانت والدتى تأمرنى بالعودة إلى المنزل كلما خرج «شوقى بك» إلى الحارة وقد قال لها رحمه الله يومًا:
إن ابنك سيكون أى شىء إلا شاعرًا فإن صياحه ليس فيه وزن!
وقد حاولت عندما كبرت أن أنظم الشعر فلم أفلح!
ويمضى الأستاذ «إحسان» قائلا: «ولشوقى فضل كبير فى إنشاء مجلة «روزاليوسف» فقد أفردت السيدة «روزاليوسف» إحدى غرف مسكنها لتكون مقرًا للمجلة وكان مسكنها يقع فى الدور السابع ولم يكن فى المجلة مصعد فشكى المحررون والأدباء وعلى رأسهم الأستاذ «العقاد» من مشقة الصعود فكان أن أمر «شوقى بك» باخلاء جزء من بدروم العمارة وكان يستأجره رجل أرمنى اتخذه مخزنًا للخمور- ثم أمر بإصلاحه وإعادة دهانه ووضعه تحت تصرف السيدة روزاليوسف.
وقال رحمه الله عندما تم انتقال المجلة إلى إدارتها الجديدة:
- لقد ذهبت الخمر.. وجاء الأدب!
وقال الاستاذ «العقاد» وهو ينزل إلى البدروم لأول مرة:
- هذه السيدة لا تعرف الأمور الوسط، فإما أن تصعد إلى السماء السابعة، وإما أن تنزل إلى سابع أرض!
وكان المرحوم «شوقى بك» أول من اشترك فى مجلة “روزاليوسف” وما زال اسمه هو أول اسم فى سجلات المشتركين التى  تحتفظ بها المجلة للذكرى والتاريخ!
وكان رحمه الله كثير التردد على إدارة المجلة، وفى أحد مكاتبها نظم أغنية «بلبل حيران» وكأن بينه وبين الأستاذين «العقاد» و«المازنى» عداوة أدبية مشهورة، فدعته السيدة روزاليوسف ودعتهما معه إلى حفل فى منزلها غنى فيها الأستاذ «عبدالوهاب” أغنية «بلبل حيران».
وما أكثر ذكريات الاستاذ «إحسان» عن مشاهير ونجوم عصره من سياسيين ورجال أدب وفكر وفن!
وللحكاية بقية!