
حازم منير
هذه هى دولة السيسى
فى يومين متتاليين احتفلت مصر بتدشين وتجديد الكاتدرائية القبطية ثم فى اليوم التالى احتفلت بذكرى المولد النبوى الشريف، وفى اليوم الأول كانت الرسالة أنه لا تفرقة بين دور العبادة وفى اليوم الثانى كانت الرسالة على لسان الرئيس أنه «لا إكراه فى الدين».
يوم قتل الإرهابيون مصريين أقباطا فى ليبيا رفض السيد الرئيس توجيه العزاء لشعب مصر إلا بعد أن تمكن جيشنا من تحديد المسئول ووجه ضربة أمنية قوية خارج الحدود لقيادة التنظيم الإرهابى الذى خطط ونفذ هذه العملية الجبانة، ولم يتوجه وزير الداخلية لتقديم واجب العزاء فى أقباط المنيا إلا بعد أن تمكنت الشرطة المصرية من تحديد الإرهابيين الجناة ومطاردتهم وقتلهم فى اشتباك عنيف بين الطرفين.
كل هذه الأحداث السياسية والأمنية رسائل من دولة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الشعب، تقول إنه لا أحد فوق القانون، والقانون لا يفرق على أساس الدين، وغير مسموح بالخروج عن القانون وانتهاكه، وأن الدولة مسئولة عن تطبيق القانون، وأن رجال إنفاذ القانون قادرون على القيام بمهامهم، ولن يفلت مُجرم من العقاب وفقا للقانون.
منذ خمسين عاما دشن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الكاتدرائية القبطية الأرثوذكسية فى رسالة لكل العالم أن مصر لا تعرف التفرقة بين الأديان ولا تميز بين أبناء الوطن على أساس الدين، وبعد خمسين عاما تتم إعادة افتتاح نفس الكاتدرائية بعد أعمال تجديد فى رسالة تقول إن الدولة الوطنية المصرية لا تغير مبادئها، وأن من يخرج عن هذه المبادئ فهو ليس منها.
قال السيد الرئيس فى كلمته بذكرى المولد النبوى إن ديننا الحنيف يقوم على أنه لا إكراه فى الدين وهو بذلك يُرسخ قيم التسامح وقبول الآخر، والأخيرة قبول الآخر من أهم القيم والمبادئ الأساسية فى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى صدرت وظهرت للعالم بعد مرور 1400 عام على هبوط رسالة الإسلام السماوية للبشر.
على مدار 1400 عام تعرض الدين الإسلامى للكثير، وتجاهل حكام كُثر المعانى والقيم الحقيقية للإسلام، بل أحال البعض منهم الدين السماوى إلى ركائز لتبرير التسلط والحكم الثيوقراطى الذى يُطلق عليه الحكم الدينى والتستر بالدين والادعاء بأنه حكم بتكليف إلهى، لم تنجو منه للأسف بعض عصور الدولة الإسلامية التى يُطلق عليها عصور مضيئة.
منذ أطلق السيد الرئيس نداءه ودعواته إلى تجديد الخطاب الدينى وكل من يفهم ويعلم تيقن أن الرجل اختار الطريق الوعر الشاق، والمؤسف أن البعض من الادعياء ينتقدون بطء مسيرة تجديد الخطاب الدينى وللأسف هؤلاء فعلا مدعون وليسوا عالمين.
أنت تستطيع تجديد ملابسك، وتستطيع تجديد فكرك الشخصى، إنما تصطدم بتراث مستقر راسخ لآلاف السنين فأنت فى معركة مع التاريخ بكل حضارته وثقافته وسلطانه على عقول الناس، وقرارك بخوض المعركة دليل شجاعة منقطعة النظير خصوصا إذا تمسكت بها وصممت على مواصلتها.
من لم يقرأ التاريخ، من لم يعلم بحقائق الأمور، من لم يدرس التجارب السابقة، لن يفهم أبدا حقيقة معركة تجديد الخطاب الدينى ومدى صعوبتها، فهى أشبه بمن ينبش فى الصخر.
هذه هى دولة الرئيس عبد الفتاح السيسى تخوض معركة متعددة الأوجه أصعبها ضد الفكر الثيوقراطى ومؤسساته وأصحاب المصالح فلا تضيعوا الفرصة التى نادرا ما تتكرر فى تاريخ الأمم.