الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فضائيات.. وطفيليات!

فضائيات.. وطفيليات!






كلما شاهدت قناة «الجزيرة» وما تبثه من سموم وهلاوس وتخاريف وعنتريات أتذكر ذلك المقال العبقرى للكاتبة اللامعة «د.آمال موسى» وكان عنوانه «هيمنة الطفيليات» منذ أسابيع وتقارن فيه مقارنة هادئة بين الطفيليات ووسائل الإعلام.
تقول د.آمال موسى: إن النباتات الطفيلية تتميز بالاتكال فى توفير غذائها على النباتات الأخرى، وبسبب سلوكها التطفلى الاتكالى فإنها تمثل عبئا على النباتات الأخرى الأمر الذى يجعل الفلاحين يهتمون باقتلاعها لضمان عدم تعرض النباتات والاشجار للتطفل على غذائها أى أن الاعشاب الطفيلية مصدر ضرر ولا نفع لها.
وتضيف: نحن اليوم نعيش على الطفيليات ونهتم بكل ما هو طفيلى تاركين بقصد الظواهر الحقيقية غير الطفيلية والاحداث والتغييرات الجديرة بالاهتمام والتفكير!
أصبحنا نهتم بالتفاصيل غير المهمة ونترك الاساسى، فنشير إلى ضجة تنتج أحيانا من تفاصيل تهم أشخاصا وغير مؤثرة فى حياة الشعوب ولكن هذه الفرقعات تدير أعناق الكثيرين وتصبح الموضوع الاكثر متابعة رغم عدم أهميتها «ناهيك عن تصدرها الاهتمام الإعلامى» والسياسى والشعبى أيضا لأيام وأحيانا لأسابيع طوال؟!
ونتساءل: لماذا تستأثر موضوعات وأحداث تعد فى ميزان الاحداث الكبرى وأولويات الناس ثانوية باهتمام واسع فى حين أن الأزمات الكبرى والمشكلات التى تعصف باستقرار الشعوب وأمنها يتم تجاهلها؟!
وتشير إلى التغييرات التى حصلت فى العالم خلال السنوات الأخيرة والتى أسهمت فى صعود نجم كل ما هو طفيلى وهامشى وغريب من الاحداث والظواهر الاجتماعية!
إن هناك ثلاثة أسباب لهذه التغييرات لعل أولها الدور السلبى لوسائل الإعلام التى أصبحت تقوم بترتيب الموضوعات والأحداث حسب الأولويات التى تحددها أجنداتها ومصالحها! ذلك إنه شئنا أم أبينا فإن وسائل الإعلام والتليفزيون تحديداً هى التى أضحت تتدخل فى تحديد ملامح الحقيقة الاجتماعية والواقع العام وتنظيمه على النحو الذى يخدم مصالحها!
وهكذا أصبحت أخبار المنوعات والغرائب من الأمور والوقائع تتصدر البرامج وتحتل حيزا مهما، وكل هذا يتم طبعا على حساب المشكلات الكبرى والحقيقة التى تستحق الأولوية والمساحة الأكبر من زمن البث والاهتمام!
سبب آخر مهم تشير إليه د.آمال موسى وهو السبب السياسى سواء كان داخل الأوطان أو على المستوى الدولى، فهناك تواطؤ واضح من عدد من السياسيين فى العالم يفضلون انشغال الشعوب فى هوامش المشكلات والاحداث بعيدا عن المشكلات التى عجزوا عن حلها، وخلق بدائل من الحلول التى يمكن أن تشبع التوقعات!
كذلك نلحظ أن الناس أصبحوا لا يحتملون الجدية ويميلون إلى الخفيف من الاشياء والظواهر والأمور، نظرا لتعقد الحياة وغموضها والرقابة المثقلة لكاهلهم فيكون الفرار إلى السهل والطفيليات وكل ما هو صغير وغريب، فالأخبار الطفيلية تنتشر بسرعة البرق وتغزو شبكات التواصل الاجتماعى ويتم تضخيمها، والحال أنها كثيرا ما تعبر عن حالات معزولة لا غير».
وتنهى د.آمال مقالها فى الزميلة «الشرق الأوسط» منبهة ومحذرة قائلة: «المشكلة ليست فى وجود الطفيليات والاهتمام بها فذلك أمر تبيحه الطبيعة ويقبله المجتمع أيضا ولكن المشكل يظهر عندما نجد أنفسنا فى عصر تهيمن فيه الطفيليات بشتى أنواعها ومعانيها هنا يكمن الخلل ويحصل الانحراف والتشويه لما هو حقيقى وجدى ومركزى لأن الطفيليات تتنفس على حساب الاساسى والجوهرى».
صدقت يا سيدتى الفاضلة «إنها طفيليات لا أكثر ولا أقل».