الإثنين 21 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
قبل إصدار القانون

قبل إصدار القانون






للمرة التاسعة أو العاشرة تبدأ مؤسسات الدولة مناقشة ملف المحال التجارية وتستفيض فى حواراته، وتستدعى خبراء واختصاصيين، وتثير أزمات مع الطرف الثانى «التجارى» وتتصاعد الأمور ثم تصل لنهاية الأمر بإعادة الملف إلى الأدراج دون اتخاذ قرار محدد فيه.
وملف المحال التجارية كان فى القديم قاصرا على مواعيد الفتح والإغلاق، لكنه الآن بات أكثر تضخما ويشتمل على مثلا سيطرة المحال على الأرصفة  وأحيانا على جزء من أسفلت الطريق العام، وأحيانا أخرى ممارسة أنشطة غير المرخص بها، أو ممارسة نشاط  بلا ترخيص .. وهكذا.
المشكلة فى هذا الملف هو عجز الحكومات المتتالية منذ السبعينات وحتى الآن على فرض إرادتها وتنفيذ قراراتها بتحديد مواعيد فتح المحال وإغلاقها، ولم تتمكن حكومة واحدة من الوصول إلى صيغة توافق مع التجار رغم كل ما تعانيه الدولة من فوضى النشاط التجارى وما يستنزفه من موارد لم يعد لدينا ترف التهاون فى أى كمية منها ولو محدودة.
البرلمان يناقش الآن فكرة جديدة هى التعامل مع الأمر من خلال إصدار قانون لتنظيم نشاط المحلات التجارية بدلا من إصدار قرارات محلية، وهو يأمل من خلال ذلك القانون تحقيق هدفين الأول إعادة تنظيم قواعد ممارسة النشاط، والثانى فرض توقيتات للعمل تسهم فى توفير الطاقة.
المسألة بالقطع ليست فى إصدار القانون إنما فى القدرة على تنفيذه وتطبيقه، والقوانين لا تُفرض بالقوة والإجبار وإنما بالتوافق والقبول، إلا اذا استخدم البعض القوة ضد القانون، ووفقا لذاكرتى فقد جرت محاولات كثيرة فى شأن إغلاق المحال فى توقيتات محددة لكنها كلها باءت بالفشل، وهو الأمر الذى يستوجب مناقشة مستفيضة لأسباب الفشل السابق قبل الدخول فى تجربة جديدة.
بالقطع تختلف مواعيد الإغلاق حسب نوع النشاط ودوما ما تُترك المحال السياحية دون حدود، بينما لا تجد فى أوروبا أو أمريكا أو حتى فى أغلب البلدان العربية محال أحذية وملابس أو غيرها من الأنشطة التجارية تعمل بعد السابعة مساء أو الثامنة على أقصى تقدير .
فى مصر فقط تستطيع تناول وجبة «لحمة رأس» الخامسة فجرا، أو تستمتع بساندوتش طعمية ساخن «ملهلب» قبل تباشير الصباح أو تشترى حذاء أو بنطلون فى الثانية صباحا، أو تجلس فى مقهى على مقعد فخم على أسفلت الطريق العام وأمامك «الشيشة» ولمزيد من التأمين يضع أصحاب المقاهى سياراتهم صفا ثالثا لحماية الزباين من السيارات المسرعة فى الطريق العام.
فى مصر فقط  لا تستطيع التفرقة بين الليل والنهار من كثافة أضواء المحال التجارية المتلألئة حتى قرابة الفجر والتى لا تُشعرك أبدا أنك فى ليل دامس الظلام، ومن ضجة أصوات المقاهى و«طرقعة» حجارة الطاولة، ما بقى اتخد مكبرات الصوت والأغانى والموسيقى الشعبية لما بعد منتصف الليل لجذب الزبائن فحدث ولا حرج.
فى مصر مشكلة حقيقية اسمها فوضى النشاط التجارى مطلوب مواجهتها لإعادة النظام  ولتوفير الكهرباء والطاقة، وإعادة الهدوء لأعصاب المصريين والقضاء على الصخب الذى نعيشه وأصاب مشاعرنا وأفسد جانبا مبهجا فى حياتنا.
نصيحة قبل إصدار القانون.. ادرسوا إمكانية تطبيقه وكفاية إحباطات سنين طويلة.