
رشدي أباظة
المافيا الدينية (7-7) المدنية أصل الدولة
خطف مصر نحو الدولة الدينية لن ينجح. ولن يمر. لأن الخطف يجافى الفطرة المصرية. فطرة عمرها خلق الأرض.
مهما أسس الدينيون لدولتهم مواد دستورية ودبجوا لها قوانين.
مصر دولة مدنية بالجبلة. وهى تؤمن بأنها أرض ذلول لكل الآراء والأفكار بشرط العيش المشترك. لا وصاية عليها من فكرة واحدة أو حتى دين واحد.
اليهودية بعثت منها. المسيحية تسيدت فيها. الإسلام استعمر كنهها.
مر كل هؤلاء عليها. هى تدين بدين الله الواحد فقط. الدين الذى لا إكراه فيه على أحد أو من أحد!
استغلت المافيا الدينية الظرف السياسى القاسى الذى مرت به الدولة المصرية أثناء وبعد أحداث يناير العاتية. خطفت نصا دستوريا يؤسس لدولتها بالشرعية. صارت المافيا تنظيما قانونيا. ثم شرعت لسحب الدولة عنوة نحو تديين الدولة والمجتمع. المجتمع الذى يقوم نجاح التجانس فيه على المعتقد المتعدد وثراء التنوع التعبدى.
ولأن مصر مجبولة على المدنية فإن الدولة المدنية أساسا هى الدولة القادرة بدستورها وقانونها على تحقيق مقاصد الشريعة.
وإذا كان هناك من يدعى أنه يحتكر الحالة الدينية فإن عليه صياغة النص الدينى ليصبح قابلا للتطبيق القانونى!
وإذا كان هناك من يدعى أن هناك شكلا معروفا أو ثابتا للدولة فى الإسلام فإن عليه أن يكشف عن مرجعيته الشرعية فى هذا. عليه أن يسوق لنا أدلته ويفسر كيف اختلف شكل الدولة فى المدينة عن الدولة الأموية عن العباسية طالما أن المصدر واحد؟
لقد كانت فرية عظيمة أن أشاعوا وأذاعوا بأن الإسلام دولة. والإسلام قانون. وإذ يكفينا أن نستدعى ملمحا واحدا من عدم إنشاء الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- لدينه العظيم دولة بأن لم يقيمها فى بلده مكة وهو البلد الذى نزل فيه عليه رسالة الإسلام فإن ذلك يكفى بأن الإسلام معتقد فردى وليس معتقدا جماعيا ينظم الحالة العامة التى هى الدولة.
الإصرار على أن الاسلام دولة فرية عظيمة تسيئ للإسلام نفسه. لأن الاسلام دين ودين عظيم يقوم على تهذيب الفرد والأخذ بيده نحو اليوم الموعود سليم القلب لمثواه الخالد!
فى مصر تحديدا وضعت قواعد ومؤسسات الجهاز الإدارى للدولة فى عهد سيدنا يوسف الذى نجح فى مهمة أوكلت إليه من حاكم الدولة وهى وظيفة مدنية عندما قال اجعلنى على خزائن الارض إنى حفيظ عليم. لم يقل لأننى نبى مرسل بل قال إن لديه مؤهلات إدارية!
غدا نسأل.. هل الإسلام دين ودولة؟