الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أحاديث السادات الإذاعية بأربعمائة جنيه!

أحاديث السادات الإذاعية بأربعمائة جنيه!






صباح يوم 23 يوليو سنة 1952 ذهب «البكباشى» «أنور السادات» إلى مقر الإذاعة المصرية ليلقى بيان الثورة الأولى بعد أن قال له جمال عبدالناصر: أنور.. ان لديك صوتًا قويًا وأنت تجيد الإلقاء فاذهب الآن إلى استديو الإذاعة واقرأ هذا البيان».
وكانت هذه بداية تعرف الناس على: «صوت أنور السادات» المميز، وهو ما تكرر بعد ذلك فى عشرات المناسبات!
لقد بدأ غرام السادات بالإذاعة منذ كان معتقلاً فى سجن الأجانب مع زملائه وكان يقدم على سبيل الترفيه لهم برنامجًا فى السادسة من صباح كل يوم بعنوان «حديث الأطفال» للمربى الفاضل «بابا أنور»!
لكن فيما بعد تسببت أحاديث السادات الإذاعية فى جفوة وسوء تفاهم مع الرئيس «جمال عبدالناصر» التفاصيل رواها «السادات» فى كتابه «البحث عن الذات» فيقول:
«فى أواخر الخمسينيات كنت ألقى حديثًا أسبوعيًا بإذاعة «صوت العرب» وكنت أحس أن المجتمع المصرى لا بد له من العودة إلى قيمه الأصيلة التى حفظت عليه وحدته وشخصيته عبر آلاف السنين ومواجهة العديد من المغيرين وأن بناء الإنسان يجب أن يكون هو الهدف بعد أن كان واضحًا أن البعض يريد أن يستغل الثورة لهدم القيم والإنسان فأخذت أنبه إلى ذلك فى هذه الأحاديث!
ولا أعرف من الذى أخبر عبدالناصر؟! وأنا لا أريد بهذه القصة اغتياب عبدالناصر، فالوفاء له يقتضى ألا أسمح لأحد باغتيابه بقدر ما لدى من معلومات وبقدر ما أخذت نفسى به من إعطاء الشعب حريته!
المهم سألنى عبدالناصر عن أحاديثى فى صوت العرب! وقال إن الإذاعة دفعت لى نحو أربعمائة جنيه مقابل تلك الأحاديث!
قلت: نعم.. فعلا حدث! ولم أقل له ما لم يكن يعلمه أنى كنت قد كونت جمعية باسم «مسجد ميت أبوالكوم» وأن شيك الإذاعة تسلمه صندوق الجمعية كما هو، فكما سبق أن قلت: أنا لم أضع نفسى يومًا موضع الدفاع أمام أى إنسان!
واستمر عبدالناصر فى كلامه بما يشير إلى الناس سوف تتكلم وأن كلام الناس كثير.. إلخ!
وبعد هذا سجلت الحديث الأسبوعى وجعلته ختام أحاديثى وكان موضوعه «النجاح الداخلى».. و«النجاح الخارجى».. وكيف أن الأول أبقى وأدوم أما الثانى فأنا لا أخذ به لأن الصدق مع النفس ينقصه، وبالتالى فمن يؤمن به لن يكون صادقًا مع الناس.. بل وسيظل عبدًا لمطالبه ورغباته وشهواته.. وهو ما أرفضه!
ويضيف «السادات» قائلاً: اخترت موضوع الحديث هذا عمدًا كختام لهذه الأحاديث.. فقد كنت أعرف أن أحد مستشارى «جمال» يبهره النجاح الخارجى، وأنه سوف ينقل  الحديث إلى «عبدالناصر» وخاصة عندما أوضحت أنه لا يعنينى أن يرى الناس النجاح الخارجى فىّ وإنما يعنينى أن أرى أنا النجاج الداخلى فى نفسى.
وفعلاً حدث ما توقعت.. فكانت جفوة بينى وبين «عبدالناصر» استمرت شهرًا أو أكثر ولم يتصل خلالها أحدنا بالآخر».
انتهت الحكاية، لم تبق إلا دلالة مهمة وهى أهمية الدور الذى لعبه الراديو ليس فقط فى حياة الزعماء بل فى حياة كل مصرى حيث كان الراديو بمثابة «مدرسة» تقدم للناس كل ما هو محترم ورائع من نجوم الأدب والفكر والغناء أيضًا، ولا تزال الإذاعة قادرة على لعب هذا الدور بامتياز.